نظمية محمد عبد القادر وهدان
سنة الولادة: 1933 (تقدير)
مكان الولادة: عنابة
مكان السكن الحالي: عين عريك
تاريخ المقابلة: 11.5.2017
اجرى المقابلة: عمر الغباري - زوخروت
لغة المقابلة: العربية
-----------------------------
ما بعرف أنا مواليد اي سنه. ما أخذنا كواشين ولا إشي. طلعنا وخلينا الدور مفتّحات. أنا طلعت وعمري يمكن 15 سنة.
بالبلد كانت الناس تفلح، وكل واحد بأرضه ورزقه، يشتغلوا وعندهم غنم وعسل وفلايح. دار أبوي كانت عند الجامع بوسط البلد. هناك كانت دار ابن عمي ودار أبوي. كلنا كنا حوش واحد، مش زي اليوم كل واحد يبني دار بعيدة لحاله.
كل دار كان الها طابون، تخبز فيه النسوان، وتطبخ فيه سمك وبطاطا بفخار. نفسي أذوق طبخة السمك اللي كانت تعملها امي. امي كان الها طابون، وحماتي وستّي ولكل واحدة كان طابون. وأنا خبزت بالطابون هناك. بس لما تجوزت حماتي علمتني أحسن.
البلد كان فيها حارات، حارة دار وهدان، وقطاش وعبيد والكسجي، محمود، ياسين، أبو عبده، أبو بها، بدوان، مصاروة، هدول أجوا من مصر وسكنوا ببلدنا. بدوان ووهدان هذول عيلة واحدة كانوا. كل حمولة كان الها مضافة ومختار، مضافة دار وهدان أكبر واحدة. عبد الرحمن بدوان كان آخر مختار بدار وهدان. الغريب اللي ييجي كان ينام بالمضافة ويعطوهم فراش يناموا عليها. يضيفوه عسل وخبز. ويعملوا له أكل.
كل عيلة الها حارة، وكل دار الها طابون والها بير. منطقة العطن كانت مليانة بيار. بالبلد كان في بيارة، ما كان عنا عيون. كنا نربط دلو من جلد بحبل وننشل المي. كان عنا كمان منطقة النتاش فيها زيتون وتين وصبر.
دار أبوي كانت جنب الجامع، كان بيت واسع وفيها أقواس. احنا كنّا ننام فوق والغنم تحت، الباب كان خشب وعليه رسمات.
الجامع كانت صغير، مبنى قديم بس حجر مليح، ما كان اله مئذنة وما اله قبّة. أنا كنت أدخل الجامع ومتذكرة أحواض المي اللي كانت جوا الجامع. ما كان في حنفيات. حيطان الجامع كانت أقواس، زي عقِد. إمام الجامع كان قصير شوي ولابس لفّة، ويطلع يأذّن ع الحيط فوق. كان اسمه الشيخ عايش.
احنا كنا أربع خوات وأخوة تنين. كان عنا غنم كتير. كل يوم أربعا امي كانت تروح تبيع الجبن، في دقيقه تبيعهم. كانوا يسألوها اذا هي قبابيّة، تقولهم لا، أنا عنابيّة، القبابيّة بغشّوا بالجبن. كانت تبيع الجبن بالرملة بالسوق. تحط امي الجبن على الدواب وتروح تبيع.
كان عندنا بقر وغنم وجمال وحمير وجاج وحمام ووزّ وحبش. دار أبوي كان عندنا غنم والجبن نعمله منه. كان عندنا زيتون. أنا لما تزوجت جهّزوا لي كسوة من 100 طبّة وخيّطناهم عند خيّاطة باللد. أهلي وأهل العريس هم اللي راحوا يكسوا [يشتروا الكسوة]. كانوا يوخدوا تركّات، شاحنات من بلدنا، سمسم وقمح ويبيعوهم باللد والرملة ويشتروا كسوة. كانوا يشتروا كمان مناديل دلعونا من اللد. المنديل قد الشاشة وكانوا يملّوه بقضامه شاميّة، ويعملوهم عقدات عقدات، وكل واحدة بتيجي كانوا يعطوها منديل دلعونا ومليان قضامة. وبعدين يعملوا حنّا للعروس، في بعنابة أكثر من واحدة كانت تحنّي بالأعراس. كانوا يقعدوا ثلاثين يوم يرقصوا ويغنوا كل ليلة. ما كان عندنا ضو، فكانوا يجيبوا مشاعل. يجيبوا الثوب العاطل ويحطوا عليه كاز ويعملوه مشاعل. كل دار كانت تجيب مشعلة، كل البلد تضوي. أنا بعرسي رقصوا ثلاثين يوم. حفلة الحنّا تكون ليلة العرس وثاني يوم يكون العرس.
العريس كان ييجي على فرس والعروس على فرس، الفرسين يمشوا مع بعض زي موكب والنسوان والزلام يغنّوا ورانا، والنسوان لابسات شالات وذهب وزمليات ويغنوا ويرقصوا. هاي الزمليات يجيبوها من الرملة ويتحزموا فيهم. لما يطبخوا كانوا يجيبوا دسوتة يطحنوا القمح ويطبخوا اللحم، كانوا يذبحوا سبعة ثماني ذبايح. الناس توكل بإيديها. كانوا يعملوا دبكة كمان. زلمتي وسلفي وأبو جلال هذول كانوا دبيكة. كل أهل عنابة كانوا دبيكة. أنا عرسي كان بالصيف، قبل الهجرة بسنة. زلمتي حمل كسوتي على كتفه لما طلعنا من عنابة وبعناها بعدين. بس ظل معي مفتاح الدار.
كنت أروح على الرملة واللد مشي، كنت ألحق امي، وكانت امي تركّبني على الحمارة وتحمّل عليها أغراض، بطاطا حلوة، قصب مص، فواكه، توت ونرجع على البلد. جوزي أخذني على يافا وعلى المراجيح بالرملة بالنبي صالح. اللد والرملة كان فيها كل شي، ذهب وقماش وشواك وكل شي. كان عندنا بالبلد دكانة أبو عبده ومحمد إبراهيم، وكمان دكاكين. كانوا يبيعوا حلو بالدكان وطحينية.
علي بدوان بنى مدرسة كبيرة. أثثوها وجهزوها وطلعنا من البلد وراحت. هاي المدرسة جديدة جنب البيارة على طريق الرملة. صارت النكبة وراحت المدرسة. قبل المدرسة الجديدة كان في كمان مدرسه قريبه من الجمعيّة جوّا البلد. البنات ما كانت تروح على المدرسة، بس الأولاد. لما كنّا نملّي من البير كنت أشوف المدرسة والاولاد رايحين عليها، بس أنا ما دخلت المدرسة. دار حماي كان الهم بيار بمنطقة النَتّاش والخله وبيرين جوّا الدار، هدول للبقر، مي منسميها زبّاله تنزل عن الحيطان وسخة. كنا نملّي برميلين ثلاث هذول للبقر، بس الغنم كنّا نسقيها ميّ منيحة من العطن.
كان في سيارات شحن بالبلد بس ما بذكر لمين. الناس كانت تتنقل ع الخيل ويحطّوا عربايات ع الخيل زي اللدادوة.
ما كان حوالينا يهود. اليهود كانوا عند كبّانيّة ابو شوشة. لما صار مناوشات بين اللد واليهود، أهل بلدنا فزعوا على أبو شوشة وسرقوا الغنم وبقرات هولنديات. احنا طلعنا مع كل القرى اللي حوالينا. طبّوا على كل البلاد واخذوها بليلة ويوم. لما أجوا اليهود ع البلد كنت أنا بالبلد. صاروا يطخّوا. حماتي قالت بدنا نطلع، زبّلت الطابون وأخذت الطبخات وطلعنا وأخذنا الخبزات معنا. الناس تنادي على بعض. شردنا بالليل، ولعت البلد. جيش الملك عبد الله كمان طلعوا من بلدنا، السلاح خلص.
بلدنا وسيعة، كلنا طلعنا سوا. طلعنا وظلينا نمشي نمشي نمشي بالليل حتى وصلنا شلتا. أطلعنا معنا الغنم والبقر، الدواب كانت تلاهث من العطش وعليهم حليب وبدهن حدا يحلبهم. كمّلنا نمشي ووصلنا بلعين ونعلين وبعدين على المزرعة كان في عيون هناك وصرنا نسقي الغنم والدواب. كنا كل عيلتي، سلافاتي وسلافي وكل الحمولة. بالليل نمشي وبالنهار ننام تحت الزيتون. بعدها رحنا قعدنا شهرين بدير بزيع. بعدها طلعنا على بتونيا. ببيتونيا كان في بير وقعدنا حوالي شهرين بدار مهجورة. قالوا اللي بده يروح على أريحا بقدر يروح بسيارات الملك عبد الله ببلاش، بعد بيتونيا نزلنا على أريحا وقعدنا 7 أشهر هناك. دار أبوي لليوم قاعدين فيها غزاوية بعقبة جبر بأريحا.
بعقبة جبر صار الدود والقمل ييجي على الناس. سلافي أخذوا الجمال على البحر يغسلوهن وبعدها باعوا الدواب والغنم عشان نقدر نوكل. عمي عبد العزيز وعمي مصطفى طلعوا يشتغلوا بعمان. شافوا حالة اللاجئين بباب الجوامع. اثنين من بلدنا ماتوا بعمان من الجوع. رجعوا سلافي علينا على عين عريك وقالوا لنا بدنا نبقى هون. صرنا نبني بسقايف. كنا ننام فيهم وإجرينا بالشمس. بعدها أجت الوكالة بنت للاجئين وحدات، هذا كان بال ٥٨ تقريبًا. جوزي راح اشتغل حجّار، وبعنابة كان يشتغل بالفلاحة.
بعد ما تهجّرنا رحت زرت عنابة بسنة 1995، كل شي بالبلد كان مهدوم، بس الزيتون والصبر والتين مثل ما هو.
ان شاالله نرجع على بلدنا، أهل البلد بيقولوا لنا يا لاجئين. ما بدّي أظل لاجئة. حماي كان ينازع ودموعه نازلة حزين على البلد. لما تروحوا هناك سلموا على عنابة. سلموا على بلدي.