قمنا بجولة في جنوب البلاد كي نتعرف على أحداث النكبة الفلسطينية في هذه المنطقة، ورؤية آثار حياة "البدو الرحّل" في الصحراء عن قرب. أردنا إبراز الرابط بين اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة اليوم، وغالبيتهم طُردوا من منطقة الجنوب أكثر جنوبًا، وبين المواقع التي طُردوا منها مع إقامة دولة إسرائيل.
قصّة العراقيب هي حدث يمثّل قصة جميع الفلسطينيين في الجنوب، الذين يسمّون عادة بدو – مثلما تريد دولة إسرائيل رؤيتهم – وليس فلسطينيين. 15% فقط من عرب النقب، من بين 115 ألف إنسان، بقوا في نطاق دولة إسرائيل بعد بدء النكبة عام 1948. العديدون طردوا إلى الأردن وقسم إلى قطاع غزة. الأشخاص الذين قابلناهم في النقب لديهم أقارب في القطاع المحاصر. قسم من سكان النقب الفلسطينيين تحوّلوا إلى مهجرين داخليين، على الرغم من أن هذا المصطلح يتطرّق أساسًا إلى الفلسطينيين في شمال البلاد، الذين باتوا كذلك. البدو الذين طُردوا من مواقعهم عام 1948 وبقوا في نطاق دولة إسرائيل تحوّلوا إلى "شتات بدوي" مثلما تعرّفهم المؤسسة. الدولة سيطرت على أراضيهم، وتجمّعوا جماعات جماعات وفقًا لانتماء قبليّ في الأساس، وسكنوا في بلدات مرتجلة في الصحراء. وقد وجدت الدولة لهم تعريفًا جديدًا: "مقتحمون"، يعيشون في أفضل الأحوال في "بلدات غير معترف بها".
صحيح أن سنة 1948 هي سنة مؤسِّسة في تاريخ الفلسطينيين واليهود في إسرائيل، لكن سنة 1951 هي محطة مؤسّسة بما لا يقل عنها من ناحية عرب العراقيب، ومن ناحية كثيرين مثلهم من عرب النقب. فالدولة، بواسطة الحاكم العسكري حينذاك، اقتلعتهم "بالاتفاق" من أراضيهم وأرسلتهم للسكن بعيدًا عن بيوتهم، في مكان ما من الصحراء. فيما عدا حالات قليلة تم طردهم فيها إلى الأردن. في سنة 1951 حدث ذلك. وعدتهم الدولة بالعودة إلى بيوتهم بعد أن ينهي الجيش تدريباته التي كان مخطّطًا لها لستة أشهر. الدولة لم تفِ بما تعهّدت به. ولا زالوا يناضلون من أجل إنهاء الأشهر الستة التي تعهدت بها الدولة في تشرين الثاني 1951 لكنها لم تعلن عن انتهائها بعد. هؤلاء السكان أيضًا لا يسمون مطرودين أو مهجّرين داخليين. وقد انضمّوا إلى إخوتهم في الشتات وفي القرى غير المعترف بها. وحتى من يسكنون في المناطق التي اختارتهم الدولة يعرّفون كغير معترف بهم. وتعرض الدولة عليهم حلولا هم غير مستعدّين لقبولها. أصعب النضالات هو على ملكية الأرض. الدولة تريد أراضيهم، وهم يريدون أرضهم.
في الجولة التي جرت يوم السبت عرض الشيخ صياح الطوري وثائق، خرائط، عقود شراء/بيع للأراضي، ووصولات على دفع ضريبة الأراضي من عشرينيات القرن العشرين – قبل أكثر من عشرين سنة على إقامة دولة إسرائيل. تحدّث الشيخ عن نضال قبيلته في مؤسّسات الدولة. قبل نحو عشر سنوات، عادت مجموعة من العائلات للسكن في خيم أقامتها على أرضها. الدولة لا تعترف بهم لكنهم هناك. ومنذ ذلك الحين، تقوم مؤسّسات الدولةـ سنويًا، تارة بالطائرات وتارة أخرى بالبلدوزرات، بتدمير القمح الذي يزرعونه في أراضيهم.
كان نوري العقبي الذي أرشد معظم أقسام الجولة، راضيًا عن الشهادة التي قدّمها في محكمة الصلح في بئر السبع (يُنظر الرابط) كجزء من نضاله القانوني ضد الدولة من أجل استعادة أرضه. لديه ملف كبير يحتوي على وثائق وخرائط. ما يثير غضبه هو أنه مجبر على إثبات ما هو في نظره مثبَت ومفهوم ضمنًا. إنّه لا يخجل. وصلنا معه إلى الخيمة التي أقامها عام 2006 وتحوّلت إلى خيمة احتجاج ومنبر تثقيف عن نضاله ونضال قبيلته منذ العام 1948. إلى جانب خيمته، يمكن رؤية نشاط الصندوق القومي الإسرائيلي بغية السيطرة على أرضه. تأتي بلدوزرات الصندوق، تحفر أثلامًا وتسوّي الأرض لغرس أحراش. على مقربة من الموقع تمّ وضع لافتة تعلن عن اسم الحرش: "حرش السفراء".عمل مشترك للصندوق القومي الإسرائيلي ووزارة الخارجية الإسرائيلية. في الجهة الشمالية من العراقيب، إلى جانب مستوطنة "غفاعوت بار"، غرس الصندوق القومي الإسرائيلي حرشًا على اسم أبناء مونتريال.
اشتملت الجولة على قدر هام من التعلّم. فالبدو قبل النكبة لم يسكنوا في خيم فقط. فقد أخذنا نوري إلى أنقاض عدد من البيوت، التي تم بناؤها من الطين والطوب قبل أن تدمّرها دولة إسرائيل بعد عام 1951. البيوت بعيدة عن بعضها. مررنا قرب مقبرة قبيلة العقبي. مقابل خيمة نوري رأينا أنقاض البيت الذي ولد فيه. بيت والده الذي كان شيخ قبيلة العقبي. وقد استخدم البيت، أيضًا، كمحكمة عشائريّة حتى العام 1951.
كان أوّل بيت وقفنا قربه هو بيت مسلّم القواسمي. المكان معروف جيدًا بين اللاجئين بسبب قتل 14 رجلاً عربيًا بأيدي مسلّحين يهود عام 1948. من هذا المكان أشرفنا على مستوطنة غفعات بار التي أقيمت عام 2003 على أرض سكان العراقيب.
خلال الجولة التي شارك فيها نحو 40 شخصًا، وضعنا لافتات لذكرى القرية ووزعنا كتيّب "ذاكرات العراقيب".