من على قمة الهضبة يطلّ منظر لمنطقة واسعة ورائعة المنظر. هضاب ناعمة من حولنا، طبيعة صافية، موقع خال من السكان تقريبًا، الجوّ يسوده هدوء وطمأنينة. غروب الشمس وطلوع القمر بدرًا زادا الجوّ الخلاب جمالا.
قسم من الأشخاص يتذوقون الصبر اللذيذ الذي قطفوه بأيديهم للتوّ في خربة أم برج. مع أنّ الصوت الصادر من مكبّر الصوت يزعج متعة اللحظة. فهو يذكّر الحضور بأنّ نقطة المطلّ – هكذا تسمّيها لافتة سلطة الآثار – التي نقف عليها الآن هي أنقاض بيت فلسطيني كان هنا وعاش فيه أناس حتى نهاية تشرين الأوّل 1948. طلب الصوت النظر للأسفل ورؤية ما تحت أرجلنا، في قلب هذه القطعة الساحرة، من آثار تدمير الثقافة العربية، وشدة ضرر النكبة التي سبّبتها الصهيونية منذ ستّين عامًا للشعب الفلسطيني.
قبل ذلك بساعة، وسط الطريق الصاعدة للهضبة، مررنا بالحفريات الحديثة التي يجريها عناصر سلطة الآثار. وقد اكتشفوا مغر مدافن من العهد الروماني وخنادق اختباء ليهود خلال تمرّدهم ضد الرومان قبل أكثر من ألفي سنة. خبير الآثار الذي انضمّ إلينا شرح لنا أنّ عناصر سلطة الآثار يربطون هذا المكان بقرية بيش اليهودية القديمة. هو نفسه ليس متأكّدا من صحة ذلك. الصوت الصادر من مكبّر الصوت يشوّش الانفعال من الآثار اللافتة تحت الأرض ويطلب من الحضور رفع أنظارهم ليروا، بضعة أمتار فوقهم، أنقاض بيوت قرية أم برج الفلسطينية التي طرد الجيش الإسرائيلي عام 1948 سكانها إلى الخليل.
كانت خربة ام برج في مركز لواء الخليل قبل إقامة دولة إسرائيل. تم احتلالها و15 قرية أخرى من هذا اللواء عام 1948 وهُدمها بشكل تامّ تقريبا بغية منع عودة سكانها إليها. تم تطهير هذه المنطقة تمامًا من سكانها الفلسطينيين، من قبل السرّية الرابعة التابعة للواء هرئيل التي أوكلت إليها مهمة طرد اللاجئين المختبئين في المنطقة. وبالفعل، فمن على قمة التلّ، وبين بيوت أم برج المدمرة رأينا منطقة خالية من البشر.
المشاركون والمشاركات الـ 70 تلقوا شرحًا عن مجرى الحياة التي كانت في القرية الصغيرة قبل النكبة، وعملية إخفائها عن الأرض والوعي. سلطة الآثار التي ترعى المنطقة، تعدّها للسياحة، تشقّ طرقًا إليها، تنصب لافتات وتصدر أوراق معلومات لا توفر أية معلومة عن القرية الفلسطينية التي لا تزال ملامح حياتها وآثارعمليّات تدميرها واضحة على الأرض. فمثلا، تكشف سلطة الآثار عن قبور قديمة جدًا، تتحدّث عنها وتكشفها لوعي الجمهور في حين أنّ إلى جانبها عشرات القبور الفلسطينية المهملة والمنسية، تختفي من المشهد ومن الوعي تدريجيًا و "بشكل طبيعيّ".
نحن أبقينا للسيّاح الإسرائيليين الذين سيأتون بعدنا لافتة تشير إلى المقبرة الفلسطينية. وضعنا أيضًا لافتات تحمل اسم قرية أم برج التي تسمّى اليوم باللغة الإسرائيلية خربة بورغين. سرنا بين جدران البيوت الفلسطينية الواقفة جزئيًا كنصب تذكاري للنكبة، نزلنا من الهضبة بين أشجار القرية حتى وصلنا في أسفل الهضبة إلى بئر القرية المركزية، "بئر هارون".
مقابل سياسة فرض النسيان والطمس التي تتبعها المؤسّسة الإسرائيلية تجاه الهوية الفلسطينية، أصدرنا للقارئ الإسرائيلي كتيّب "ذاكرات أم برج" الذي وزّعناه خلال الجولة، وهو يحتوي على معلومات حيوية عن الفترة السابقة لنكبة القرية.