شارك نحو 200 شخص، رجالا ونساءً، فلسطينيين ويهود، شبابًا وبالغين، يوم السبت 29/11/2008 في الجولة التعليمية التي نظّمناها في قرية عين كارم الفلسطينية.
بدأت الجولة في "الحرجة"، ساحة القرية المركزية قبل النكبة. كانت الساحة مركزًا للقاءات الاجتماعية لسكان القرية في ساعات المساء، وسوقًا خلال اليوم. جاء إليها تجار من القرى المجاورة مثل سطاف، القسطل، خربة اللوز، صوبا ، قالونيا [اليوم موتسا ومفاسيرت تسيون]، لفتا، دير ياسين [ اليوم غفعات شاؤول]، المالحة، بيت مزميل [كريات هيوفيل]، الجورة [أوره] وغيرها. أسوة بعين كارم، فقد تم سنة 1948 "تطهير" جميع القرى المذكورة من سكانها الفلسطينيين وتم توطينها جميعًا من قبل الاحتلال الجديد بمستوطنين يهود. كانت عين كارم قرية مركزية وكبيرة، سكن فيها حتى أواسط 1948 نحو 4000 نسمة. غالبيتهم خرجوا بحثًا عن ملجأ قبل أن تهاجَم قريتهم، وذلك بعد أن وصلت إليها لأخبار عن المجزرة التي نفّذها مسلّحون يهود في قرية دير ياسين المجاورة. شباب عين كارم الذين كانت بحوزتهم أسلحة بقوا في القرية من أجل الدفاع عنها.
كان في "الحرجة" قبر الشيخ عبيد، وشجرة اعتاد المسنّون الفلسطينيون الجلوس تحتها. اليوم، تطلّ شجرة التوت بكآبة على موقف سيارات دفن تحته قبر الشيخ. إلى جانبه، داخل بيوت فلسطينيين، أطلّ "بيت حباد" و"الكنيس المركزي في عين كارم". هنا كانت حارة عائلة علي وخلفنا "الحارة".
لم يهدم محتلو عين كارم بيوت القرية، مثلما فعلوا في غالبية القرى الفلسطينية التي احتلوها. فقد دخل يهود إلى بيوتهم وسكنوا فيها. حتى يومنا هذا لا تزال القرية قائمة كما كانت، تقريبًا، قبل النكبة. الإسرائيليون الذين يسكنون في بيوت اللاجئين من عين كارم يتفاخرون بأنّهم نجحوا في "الحفاظ" على القرية، رعايتها كقرية متميّزة تجذب السياح. فعلا، من يدخل القرية اليوم ويرى ما يعرضونه لنا فقط، سيتمتّع بجوّ خلاب ساحر، سيزور عددًا من الكنائس الجميلة، سينفعل من معمار البيوت العربية، سيحدّق في المنظر الآسر، يأكل في مطعم ويتعرّف على تاريخ قديم للمكان الرابع من حيث قدسيّته في الدين المسيحي. جولتنا التي كانت بمساعدة معلومات تلقّيناها من لاجئي القرية ومساهمة ابن عين السيد هشام أبو روزا، من الجيل الثاني للنكبة ومن قام بإرشاد جولتنا، كشفت إلى أي حد تغيّرت القرية ولم يتمّ الحفاظ عليها كما هو الأمر بنظر الإسرائيليين. لقد استُبدل السكان، صارت اللغة هي العبرية، أطلقت على الأزقّة والأحياء أسماء جديدة، تحوّل عدد من البيوت الخاصة إلى كنس، تم إغلاق المسجد، تدنيس المقبرة المركزية، واختفت المدرسة التي كانت تقع في طابق فوق المسجد.
موشيه عميراف، شخصية جماهيرية وناشط سياسي، يسكن في بيت لاجئ فلسطيني ويكتب كتابًا عن القرية، شارك في الجولة وقال في البداية أنه مقتنع بحقيقة أنّه يسكن في بيت لاجئ. وهو مستعدّ أن يقيم، كبادرة طيّبة، متحفًا لذكرى النكبة الفلسطينية، ولكنه ضد إعادة اللاجئين إلى أرضهم. جاءت الجولة لهدف مواجهة وجهات نظر كهذه وإقلاق سكينة المحتلّ.
سرنا في "طريق الصبرات" باتجاه "المروج" حيث يقع حيّ عائلة "زغب"، عائلة هشام. هشام جاء ومعه ابنه الذي يبلغ من العمر 15 سنة. في أحد البيوت الفلسطينية أقاموا "متحف أيام التوراة". هذا بيت عائلة رحيّل. جبر رحيّل، أحد شباب العائلة، أحبّ أليغرا وهي فتاة يهودية التقته على حصانه الأبيض الذي تلقّاه هدية من والده الغنيّ. على الرغم من رفض العائلتين، تزوّج جبر وأليغرا عام 1929. بل إن أليغرا انضمّت إلى دين زوجها المسيحي. رومانسية ما قبل النكبة.
أخذنا هشام إلى البيت الذي ولد وترعرع فيه والده. يقع إلى جانب دير أخوات صهيون. بعد حرب حزيران 1967 جاء والده لزيارة القرية. الإسرائيليون الذين سكنوا البيت سمحوا له بالدخول. ويروي هشام عن اللقاء المؤثّر حينذاك بين والده وبين جارته الراهبة ممنا قبل 1948. كان ابن هشام ملتصقًا بوالده طيلة الوقت وهو يصغي إلى القصص عن القرية. مررنا في "حارة المسيحيين" إلى جانب بيوت عائلة جعنين وعائلة روك المجاورتين لكنيسة يوحنا.وهما مسكونان أيضًا من قبل عائلات يهودية. وصلنا إلى مقبرة القرية المركزية، وهي مقبرة إسلامية. تقع على مقربة من مركز القرية، على الشارع الرئيسي، تحت حي عائلة الطوار، مقابل ما كان معصرة عائلة بولس وتُستخدم اليوم كمطعم. كانت مقابر المسيحيين داخل أراضي الكنائس وجرت المحافظة عليها جيدًا. في هذه المقبرة رأينا فظاعة تدنيس الموقع ومحاولات إحدى العائلات الإسرائيلية التي تعيش قرب القبور أن تشقّ طريقًا إلى البيت وسط المقبرة. وصلت القضية إلى المحكمة الإسرائيلية التي قرّرت، على أثر التماس الأوقاف الإسلامية، وقف الأعمال الجارية هناك، لكنّ الأعمال تواصلت. اللافتة التي وضعناها في المكان يُفترض أن توضّح للمارّين هناك بأنّ هذا الموقع هو مقبرة فلسطينية.
واصلنا في "طريق العين" باتجاه الموقع الشهير والمقدّس في القرية، عين مريم. في طريقنا مررنا على عيادة د. واكيم، بيت عائلة إسطفان، صيدلية الشعيبي، مصنع جازوز محمد البكري مقابل دكان أبو روزا.
فوق عين مريم تم بناء مسجد على اسم عمر بن الخطاب، الذي جاء إلى فلسطين سنة 638 وزار الموقع كما يبدو. في مطلع القرن العشرين تم بناء طابق فوق المسجد استُخدم حتى العام 1948 كمدرسة عين كارم الرسمية للبنين. كانت في القرية مدارس أخرى تابعة للكنائس. تم هدم طابق المدرسة في الستينيات. ولا يزال المسجد على حاله لكن الدخول إليه ممنوع وتم إقفال أبوابه. قام عدد من المشاركات والمشاركين في الجولة بالصعود إلى سطح المسجد حيث أدوا الصلاة. وقد انفعل المشاركون من اللافتة التي علّقناها "مسجد القرية وعين مريم" وراحوا يتنافسون على تعليقها. بجانب العين لا يزال قائمًا بيت الحاج إسماعيل الذي عاش هناك في أواخر القرن 19 واستضاف في بيته، لمدة سنة، الجنرال البريطاني تشارلز غوردون الذي جاء إلى القرية لبحث تاريخ المسيحية في المكان. يستخدم بيت الحاج إسماعيل اليوم كـ بيت موسيقى وبيتًا خاصًا لعائلة إسرائيلية. من هناك غربًا تبدأ "طريق التعامير" التي تقود إلى كنيسة الزيارة. في مطلع الطريق كان مقهى "العرب".
هرب معظم سكان عين كارم في أيار 1948 جرّاء اعتداءات إسرائيلية لم تلغ خطّة قوّات "الهاغاناه" احتلال القرية. فقد قصفت القوات الإسرائيلية، وفقًا لـ بيني موريس، القرية من الهضبتين اللتين تطلان عليها، بيت مزميل [كريات هيوفيل] وخربة الحمامة [هار هرتسل]. عدد قليل من المسلحين الفلسطينيين الذين ظلوا في المكان أداروا معارك مقابل المهاجمين من الهضبتين، بل فقدوا ثلاثة أو خمسة شهداء، حتى انتهت لديهم الذخيرة، فانسحبوا من القرية التي احتُلت نهائيًّا أواسط تمّوز 1948.
في الجولة التي شارك فيها أشخاص كثيرون كان هنا، أيضًا، عدد من الإسرائيليين من سكان عين كارم اليوم. وهنا تعرّفوا على مكان يختلف عن ذلك الذي عرفوه حتى اليوم. الإنسان العادي لا يمكنه أن يبقى متبلدًا في إزاء الفجوة الهائلة المخفية بين الظاهر والمخفي في عين كارم.
Ayn Karem Tour 2008 (2)
Ayn Karem Tour 2008 (4)
Ayn Karem Tour 2008 (3)
Ayn Karem Tour 2008 (5)
Ayn Karem Tour 2008