انا اسمي ابراهيم وأبوي اسمه سلامة وإحنا من عشيرة أبو رقيّق. احنا كنا ساكنين بمنطقة أبو إصدر غربيّ بئر السبع. كنا نسميها كمان جسر أبو رقيّق، أو بير أبو رقيّق أو خربة أبو رقيّق.
أمي اسمها وَظفَة وابوها اسمه أبو عيشة ومن عشيرة أبو عيشة. أهل امي كانوا ساكنين عند العزازمة غربيّ بئر السبع. أبوي كان شرطي بالجيش الانجليزي وتوفى بسنة 1944 ولمّا توفى عمّي ربّانا. عشيرة أبو رقّيق كبيرة.
جيراننا كانوا عشيرة الصوفي من الجنوب، ومن الغرب البريقي، ومن الشرق أبو محفوظ ومن الشمال… ما بذكر. كنا ساكنين ببيوت حجر وكمان ببيوت شعِر. بعشيرتنا كان فيه سيارتين شحن لعوض وسلامة، لكن بفترة الحرب المصريين صادروها، ما بعرف ليش.
المدرسة والكُتّاب
انا تعلمت بالكُتّاب عند خطيب اسمه محمد قحيوش عندنا بأبو إصدر. كنّا نمشي كل صباح حوالي مسافة 2 كيلومتر وكان عنده غرفة نتعّلم فيها. بعدين انتقلت على مدرسة بئر السبع للبنين، خلصت هناك صف رابع وخامس بإمتياز وبالصف السادس صارت المشاكل وشردنا. المعلمين كانوا من السبع وغزّه. بهاي الفترة تعلم معي فرحان الباز، موسى السيّد… هدول اللي بذكرهم. شرق جامع السبع كانت مدرسة البنات واللي بعد احتلال السبع عملوها مبنى لبلدية بئر السبع. كنا ندرس من الصبح ولساعات الظهر. كنا ننام بالداخلية وكان في يوم واحد اللي مسموح نطلع فيه من الداخلية ونتجول المدينة.
الارض والزراعة
إحنا كان عنا أراضي وأملاك وبيوت وكروم، كنا عايشين من الأرض، كان عنا آبار ميّة وكروم من كل الأنواع وفيهم سدّات (السدّه هي حاجز للمي وكانوا يزرعوا فيها خُضار وبطيخ وشمام وبندورة وكتير اشياء). كنا نزرع كمان قمح وشعير. اللي عنده زيادة محصول كانوا ييجوا عليه تُجّار ويشتروا المحصول. بذكر كان يجي تاجر من الخليل ويشتري المحصول. العمّال اللي كانوا يشتغلوا بأرضنا كانوا يجو من رفح وغزه، وكانوا ياخدوا حصّتهم ويروحوا. بأبو إصدر كان عنا 6 آبار نبع، غير الهراوة. اليوم خربوا لانه ما حدا بستعملهم.
ما بعرف بالضبط قديش مساحة الأرض، بس بسنوات السبعينات صارت اسرائيل تعمل تسوية وسجّلت إلي ولأخوي فقط 1080 دونم وصادرت باقي الارض. انا بعرف انه في كتير أراضي إلنا اللي ما تسجّلت. الدولة عرضت عليّنا بحينها انه تعطينا تبديل لكن انا رفضت. إحنا معنا اوراق إثبات للارض لكن الأوراق مش حكومية وإنما أوراق متعارف عليها بين العشائر.
النكبة
بفترة المشاكل، عمي عبد الكريم، كان راكب على ناقته ومغرِّب عند "مشمار هنيجف"، مسكوه اليهود وطخوه. هذا اظن ب 1948. بتذكر انهم جابوه ودفنوه بالسبع. كانوا اللي بلاقوه بطخّوه، والناس كانت تسمع الطخ وتشرد. همّي بقولوا انه النقب ما كان فيها حدا، شوف الخريطة هاي، عملها الدكتور سلمان ابو سته. كل عشيرة موجوده بالخارطه ووين كانوا ساكنين ومصادر المي والمعيشة.
لما صارت المشاكل بين اليهود والعرب الناس صارت بدها تتدارى وتبعد عن المشاكل. ليلة ما ضربوا السبع إحنا شردنا على اللقية. كل أغراضنا وهدومنا راحت. طلعنا بالملابس اللي علينا وأخذنا معنا بيت الشَعِر. انا يومها كنت صغير وبتذكر كان ضباب شديد.
قعدنا باللقية كام يوم بعدين إجا الجيش وقال: معكوا 24 ساعة، اللي منلاقية هون راح نطخه ونحرق بيته. وبدت الناس ترحل من جديد. اللي راح على الشرق، واللي راح على الغرب واللي راح على الشمال. الكل شرد. احنا شردنا على الجهه الشرقية عند منطقة أبو عيّاده. عشيرة الهزّيل والعقبي وأبو عبدون والاسد وغيرهم كمان كانوا باللقية. الكل شَرَد. بحينها ما كان عنا وسائل نقل والناس طلعت على الجمال. تعذّبنا.
الهزيّل راح عند واحد يهودي اسمه تسور عشان يرجّع الناس. احنا رجعنا على اللقية. بهديك الفترة اسرائيل عيّنت عمي عوض شيخ على العشيرة، وهيك عشيرة أبو رقيّق صارت عشيرتين. عشيرة للشيخ حرب أبو رقيّق اللي كان الشيخ الأول، وعمي عوض اللي اسرائيل عيّنته. صاروا عشيرتين بإسم واحد. بهيدك الفترة الحاكم العسكري كان يتاجر بلقب الشيخ، وصار يعيّن اللي بده اياه وينزّل اللي بده اياه. بعشيرة العُقبي مثلا، عيّنوا سليمان شيخ، مكان الشيخ سالم، وكمّان بعشيرة العطاونه والأعسم والقواعين وغيرهم عيّنوا شيوخ جديدة. اللي راضي عنه السلطة بتعيّنه شيخ العشيرة. صاروا يقسموا العشائر لعشائر صغيرة، وكل عشيرة يحطوا عليها شيخ.
باللقية كانت مصادر المي معدومة وكانت مشاكل. عمي عوض قالنا بدنا ننقل لهون. اما عشيرة ابو رقّيق اللي شيخها حرب، طلعوا من اللقية بإتجاه الغرب عند الجسر. إحنا اليهود سمحولنا نرجع ع ارضنا في أبو إصدر وتحرثها، لكن قبل ما ننهي الحصيد، إجا العسكري وقالنا: معكو فترة قصيره وترحلوا من هون. تركنا الارض وصرنا نحّمل زرعنا اللي زرعناه، صارت أرضنا بأبو إصدر منطقة محرّمة.
بعد ما اخذنا اللي اخذناه من ارضنا رجعنا لهون وقالوا لنا: ممنوح حدا يطلع، في حكم عسكري، واللي بده يطلع لازمه تصريح. ضايقوا علينا أكثر، ما كان عنا شغل وما في اكل ولا أرض نزرعها. بهداك الوقت كان في واحد يهودي اسمه إسحق شمش على علاقة بالشيخ عمّي عوض. إسحق كان يجيب لعمّي من مخلفات الجيش المصري، طحين ومعلبات ويوزعهم على الشيخ عوض ورَبعه. اللي بشوف شروط الحكم العسكري بحينها، طبعا كان لازم يخالف.
بهديك الفترة الجيش الاسرائيلي طخّوا ثلاثة، إثنين منهم من عشيرة الحاج حرب أبو رقيّق. قتلوهم عند بئر أبو رقيّق. اسماءهم علي سليم أبو رقيّق وابراهيم شتيوي أبو رقّيق والثالث من عشيرة أبو الرفيع. هذا الحدث خوّف كل المنطقة، والاهم انه أجا الجيش وأطلع الجثث من القبر للتحقيق وهذا امر استفز الشيخ حرب أبو رقيّق، وشردت عشيرته على الأردن. الجيش بهداك الوقت كان يحط ألغام جنب الآبار واللي بقرّب للبير عشان يشرب كان يموت، بذكر واحد اسمه خليل أبو رقيّق تفجّر فيه اللُغم. سياسة تفجير الآبار استعملوها كتير بال 59 لما طردوا الف واحد من عشيرة السراحين. كانوا إما يحطوا الغام، او متفجرات او يديروا بالبير سولار حتى الناس ما تشرب.
بفترة الخمسينات صار مجاعة بالمنطقة بعد ما الجيش ركّز الناس بمنطقة قاحلة ما فيها لا مي ولا زرع. كتير ناس ماتت من الجوع. الناس صارت تترجى الحاكم العسكري انه يعطيها محاصيلها الغربية. الجيش منعنا. الجيش طرد الناس من المنطقة الخصبة غربي بئر السبع، هاي كانت مناطق زراعية وفيها بساتين وبيارات وكل شيء. والمنطقة اللي نقلهم عليها كانت منطقة جبلية، كلها جبال عراد، ما فيها لا مطر ولا زرع وولا ميّ. وهيك صارت المجاعة وإزداد رقم الوفيات. الأمم المتحدة عملت لجنة تفحص المجاعة اللي صارت بالنقب وصاروا يعطوا الناس تموين، كانوا يعطوا التموين حسب عدد أفراد العيلة. كانوا يعطوا سكر وطحين واشياء تاني. (مداخلة من شحدة ابن بري)
أول مره دخلت السبع مع احتلالها كنت مع عمّي عوض. ما بذكر اي سنة. ما كانت السبع اللي بعرفها ولا الناس هي الناس اللي منعرفهم.
إحنا ببلادنا تحولنا من سكان اصليين للاجئين. المنطقة اللي كنا ساكنين فيها بنوا اليهود فيها كَمّ للجيش مُغلق وما منقدر نفوت عليه وندوّر على بيوتنا.
بسنوات ال 60، ما كان في عمل وكان الوضع صعب. كان في واحد يهودي من حزب "مباي" اسمه أرييه، كان يتردد علينا وشغّلني معه بالإنتخابات وانا كنت معروف بين الناس. بعدين شغّلوني بالدائرة العربية بالهستدروت وكنت بنصف وظيفة. كنت انظّم مسيرة أول أيار وكنّا ننادي "يسقط الحكم العسكري". بسنة 1973 دخلت اتعلّم بالجامعة، لكن بعد أجت حرب أكتوبر وما قدرت اتعلم.
المصدر: اطلس فلسطين للباحث سلمان ابو سته
-------------
اسم الراوي: ابراهيم سلامة أبو رقيّق
سنة الولادة: سنوات الثلاثين.
مكان الولادة: أبو إصدر (غربي بئر السبع)
مكان السكن الحالي: تل السبع
اجرى المقابلة: شحدة ابن بري ورنين جريس
مكان المقابلة: بيت الراوي في تل السبع