انا اسمي أم فارس، ما في حاجة احكي إسمي الكامل، عمري 77 سنة. خلقت بمنطقة الشريعة تحت غزة. لما فاتت اسرائيل علينا كان عمري عشرة سنين. عندي 9 اخوه و 11 اخت.
كنّا ساكنين ببيت شَعِر، كنّا نسرح مع الغنم. ابوي كان متجوّز اربعة. كانت النسوان تحلب وتحصد وتدرس ويعملوا بيدر. كنا مبسوطين ونزرع ارضنا وعايشين. كنا نزرع قمح، وشعير، ذرة، بطيخ، بطاطا، بندورة، عنب وتين.. كان كل شي عنا بالشريعة. كنا نوكل قمح مع لبن، لحمة الخروف، السمنة والعدس والفاصوليا والكوسا والبندورة البلدي. البندورة ايام زمان كانت زاكي ومش زي البندورة اليوم مضروبة إبر عشان تصير حمرا. كل اكل اليوم مسموم. كان عنا حصّادين اللي يحصدوا الارض ويوخدو اجارهم.
اخوتي كان قسم يتعلم ببئر السبع وقسم بغزة، لانه عند البدو ما كان مدارس، والبنات ما كانوا يتعلموا. كانت البنات تخييط وتنسج بيوت شَعِر. امهاتهن كانوا يعلموهم وهني صغار. زي ما بتشتغل الأم كانت تشتغل البنت.
انا امي ماتت لما صار عمرها حوالي 90 سنة، كانت تخبز على الصاج، تعمل لبن وجبن، تنسج البيت، تحصد وترضّع كل سنة ولد. هيك كل نسوان البدو.
الحياه قبل كانت احسن من اليوم، علاقات الناس كانت منيحة مع بعض، وكانت النسوان تعزم بعضها على الغداء، واذا اجاكي ضيف كنتِ تعزمي كل الحارة على بيتك. الفقير كانت الناس تعطيه عنزة او نعجة ويصير يحلب عشان يطعمي اولاده. الجوعان كنّا نعطف عليه. احنا بعشيرة الصانع كنّا نوخد الاولاد اليتامى ونربيهم مع اولادنا، يوكلوا ويشربوا ويسرحوا مع الغنم مثل اولادنا.
لما كان حدا يمرض كنّا نوخده عن طبيب ببئر السبع، كان يهودي او انجليزي مش عارفي. وفي ناس كانت تطبّب بالعشب، هدول كانوا احسن من الدكتور. لما كنّا عايشين بالشريعة كمان نروح عن طبيب بغزة. على غزة وبئر السبع كنا نروح على الحمير، بس النسوان ما كانت تروح لحالها وكان يكون معها ابنها او زوجها.
اول من فات علينا كانوا الانجليز. انا خلقت وقت الانجليز وما بعرف قديش قعدوا الإنجليز بفلسطين.
بال 48 اجو اليهود والانجليز سلّموهم كل شي ورحلوا. سلّموهم السلاح والدبابات. وقتها كنّا احنا بالشريعة ساكنين وامي كانت حامل وابوي ونسوانه كانوا بالشريعة. قبل ما ينسحبوا الإنجليز، داروا على كل العرب في البدو وفي غزة وحيفا ويافا، وفي كل البلاد وسحبوا سلاحهم. اللي عنده سلاح اليهود اخدوه وسلموه لليهود.
قبل ما يطلعونا اليهود من الشريعة صاروا يطخوا بالناس. اليهود قتلوا ابن عمتي على طريق غزة وطخّو الحاج خليل وقطعوا اصابعه. دبابة اجت قتلتهم وهمي رايحن على غزة. طخّوا كمان الشيخ قدورة الختيار وهو قاعد بصلّي.
طردونا من الشريعة وحرقوا البيوت. وعمي الحاج ابراهيم الصانع كان عنده بيت حجر وعمي التاني كان عنده بيوت من طين. اجو اليهود وولعوا فيهم النار وقالوا لنا "يلا، ارحلو". الناس شردت وما كان معها اشي، واجينا هون على اللقية لانه كان عنا ارض هون باللقية. وشردت معنا عشيرة ابو رقيّق وعشيرة الفَرَنجي.
قعدنا باللقية سنتين او ثلاث سنين. بيوم من الايام الساعة سبعة الصبح، اجوا اليهود ولمّوا العشيرة كلها وعلى الجبل وقفوا الدبابات وحطوا عليها ثلاث رشاشات وصوبوهم على الناس اللي قاعدي بالوادي. الناس قعدت من الساعة سبعة للساعه تنتين والدنيا حمّ.
بعدين راح عليهم الهزيّل وقالوا له: يا بترحلوا او منقتل كل العشيرة.
رحلنا عند القواعيد، عند حدود الاردن وين خربة الراس وبعدين رجعنا على اللقية وصارت معاملتهم النا سيئة. صار الجيش يضربوا الراعي مع الغنم.. ياخدوا الغنم من الناس.. يعني عاملوا الناس بشكل مهين مع انهم ما حاربوا وكانوا مسالمين.
بعدين قالولنا كمان مره انه لازم نطلع. عشيرة ابو رقيّق قعدت بمنطقة الغَرايبة، واجا البوليس وسلّمهم ورقة انه لازم يرحلوا. الناس طلعت على الاردن. عملوا نفس الشيء مع عشيرة الجراوين وقالوا لهم لازم تطلعوا. ضلّت عشيرتنا، وأجوا قالوا لنا بدكوا ترحلوا على تل عراد. قلنا لهم: ما بدنا نطلع. حَطّوا كبانية قريبه منّا وقعدوا 60 ليلة والراعي يدخل بتصريح ويطلع بتصريح. المرا اذا طلعت يرجعوها، الرجل اذا طلع يرجعوه على البيت. 60 يوم…. بعدين جابوا سيارات وصاروا يحطوا عليها بيوت الناس وقالوا لنا: إطلعوا.
اجا عمي الحاج وقال خلينا ونطلع… وقتها كان الحَب مصلّب على الجرون. الناس طلعت ومشيوا لحد ما وصلوا قريب من خربة الراس. الجيش لحقنا وقال لنا: ارجعوا خدوا محصولكم احسن ما يقولو اسرائيل نهبتكم. رجعنا وحمّلنا المحصول واغراضنا ورحلنا وقعدنا قريب من حدود الاردن حوالي شهرين. الاردن قالت: انتو الكو ثلاث سنين ببلادكوا وممنوع تطلعوا منها. يعني لا الاردن بدّوا إيانا ولا اسرائيل بدها إيانا. عمي الحاج ما رضي يرجع وقال انا بضلني هون.
بعدها اجت اسرائيل بسياراتهم وجيش الاردن معهم، وحمّلوا اغراضنا واواعينا وبيوتنا ورموهم بتل عراد، وسرقوا محصولنا.
ضلينا بتل عراد تقريبا عشرين سنة. والله مسكوا اخوي محمد مره لما كان رايح يسقي الحصان وصاروا يضربوه ويمشوا عليهم بكنادرهم. كان عمره حوالي عشرين سنه.
لما عشنا بتل عراد كان الحكم عسكري، وجوزي راح يتشغل بمستوطنة نس تسيونا وبعدين اخدني انا والاولاد. بالاول سكنا بالبيارة، كانت بيت لعرب اللي تهجروا منه، وبعدين إستأجرنا بيت بنس تسيونا وعشنا انا وجوزي واولادي بالمستوطنه بين اليهود. العلاقات معهم كانت منيحه. لما فك الحكم العسكري صاروا اهلي يجو يزورونا.
اليوم باللقية، لا بخلونا نبني ولا بخلونا نزرع ارضنا وليبرمان بده يطلع العرب الفلسطينية من فلسطين ويجيب بدالهم الروس. احنا ما منطلع من هون، يا موت، يا حياه. وحتى لو عملوا فينا مثل ما عملوا بدير ياسين، ما راح نطلع. اليوم كل ما زرعنا اشي، بتيجي الطيارات وبترش سمّ على الزرع وبتنشفه، وقلّعوا حوالي خمسين شجرة زيتون.
الحل للوضع اللي احنا فيه كتير معقد، الكل مش متنازل. شوفي اليوم بالدول العربية، عم بذبحوا بعض عشان الكرسي وعشان الحكم.
يا ريت ارجع على الشريعة واموت ببلادي. مرات بروح مشوار لهناك مع اولادي وبتحسر بس اشوف كيف صارت، بروّح مريضة وقلبي بوجعني. انا ولدت وكبرت وعشت هناك.
-------------------------
شهادة ام فارس الصانع
مكان الولادة: منطقة الشريعة
مكان السكن الحالي: اللقية
اجرت المقابلة: خلود إرشيد
مكان المقابلة: بيت الراوية في اللقية
تاريخ المقابلة: 3.12.2014
تفريغ المقابلة: رنين جريس
لمزيد من المعلومات حول منطقة الشريعة