انا اسمي فرحان، الاب خير الدين الباز. الأم حسنة سالم الباز. ولدت في منطقة تل السبع. في سنة 1947 قُتل أبي امام عيني. اللي قتلوه خوالي، كان في مشاكل بالعيلة وضربوا امي كمان. كنا ثلاث اولاد وثلاث بنات. بعد وفاة ابوي، امي وعمي اهتموا فينا. عمّي بهداك الوقت كان شرطي بالجيش البريطاني، ولما انقتل ابوي عمّي ترك وظيفته واجا سكن عنا عشان يهتم فينا وسجلني بالمدرسة الداخلية في بئر السبع. ابوي كان حلمه اني اكمل تعليمي وادخل على الجامعة. ابوي كان مثقف وكان يقرأ، تعلّم القراءة والكتابة في الكُتّاب. وجدي كمان كان يقرأ.
بئر السبع
بذكر بئر السبع كانت كلها عرب وكان فيها عائلة يهودية واحده وبعدين ظهر انه كان في سبب ليش ساكنه بالمدينة. اهالي السبع كانوا يتشغلوا بالتجارة وكانوا اصحاب دكاكين. في قسم كانوا يشتغلوا بالبلدية. البدوا اللي كانوا يجيو من برا السبع كانوا يبدّلوا البضائع مع اصحاب الدكاكين. كانت في مطحة لواحد من عائلة القدرة من غزة وكان من غزة كمان عائلة الشوا، اللي كانوا يملكوا بنايات ببئر السبع ودكاكين. كان في عمارة ثلاث طوابق كانوا يقولولها "قصر الشوا"، لليوم بعدها موجوده.
العثمانيين ساعدوا الغزازوة في بناء مدينة بئر السبع. بنوا مركز للشرطه ومسجد ودار حكم السرايا والمدرسة. هاي كانت بداية المدينة ومن بعدها صارت الناس تيجي من غزة والخليل وتشتري اراضي وتبني محلات وتسكن ببئر السبع وكمان البدو صاروا يجو يسكنوا بالمدنية. انا بذكر انه مره كان رئيس بلدية السبع بدوي من عائلة ابو كفة وواحد تاني كان اسمه الحاج حرب ابو رقية.
أيام خميس كان في سوق ببئر السبع وكانوا يجوا عليه اعمامي وناس كبار من بلدنا، وكنت اروّح معهم على بلدنا وارجع على المدرسة يوم السبت على الجمل. الدكاكين ببئر السبع كانت بسيطه ومش مثل اليوم، كان فيها دكاكين بقوليات، بهارات، مخابز، سوق خضار يبيعوا فيه بطاطا وحمضيات وبصل وبندورة. سكان السبع بحينها كان معظمهم غزازوة وخلايلة لانه السبع بالنسبة لغزة والخليل تعتبر بلد جديدة وفتحوا كتير مصالح ببئر السبع والبدو تشتري منهم. الرجال البدو كانت تبيع بالسوق الماشية والجمال والنسوان البدويات تبيع البيض والدجاج. البدو اللي كانوا يجيو على السوق كانوا ييجو من كل المناطق.
المواصلات
البدو كانت تيجي على المدينه على الدواب والمواشي، لكن في داخل بئر السبع كان في يمكن سيارتين او ثلاثة، كانوا زي تاكسيات ويروحو على غزة ومناطق اخرى. مره عمي قرر يروح على غزة واستأجر سيارة إله لحاله وراح على غزة.
النساء
النساء بعائلتنا كانوا يشتغلو بالفلاحه والزراعه وادارة الحليب والاغنام وتربية الدجاج. النساء كانت تحلب البقر وتِطلع منه لبن وسمنه. ما كان في بنات يروحو على المدرسة. الزراعة كان الها موسم ومش كل السنه.
المدرسة
الطلاب اللي كانوا يجو من خارج البلد كانوا يناموا بالداخلية. المدرسة كانت من صف اول ولحد الثانوية، وكانت عبارة من طابقين، عدد طلاب المدرسة كان كبير وكان فيها كتير صفوف والبدو اللي كانوا من خارج البلد كانوا كتار كمان. بناية المدرسة كانت منظمه، كانت من حجر ومرتبة. كانت مدرسة بنين وما بذكر اذا كان في مدرسة بنات. كنّا ندرس كل شي، عربي، حساب، دين وكل المواضيع، التعليم كان جيد جدا وكنت ازور اهلي مرّه بالشهر او مره بالاسبوعين.
لما كان يكون عنا يوم فراغ من المدرسة كنا نطلع خارج المدرسة، وخاصة بفترة الربيع. كنا نروح على منطقة قريبة من المقبرة الانجليزية، بهديك الفترة المنطقة اللي بعد المقبرة كانت ارض صحراوية فاضية. كانوا المعلمين ينبهونا من المتفجرات اللي يحطّوها اليهود تحت اباريق الفخار التي كانوا يصنعوها العرب من زمان او اي شيء اللي كان يلفت نظر الانسان ويحاول يمسكه. كان اليهود يجو من مستوطنه اسمها اليوم "كيبوتس حتسيريم"، جوار السبع، العرب كانوا يسموها كبانية الصوف لانه كانت ساكنه فيها عائلة الصوف.
في ناس انفجرت فيها القنبلة. انا مرّه مسكت ابريق فخار، ولما رفعته صار الدخان يطلع منه، رجّعته بسرعه وهربت وما تفجّر.
كان بالمدرسة عنا زاوية في الحوش لتعلّم الزراعة ومن ضمن الخضراوات اللي كنا نتعلمها بذكر كنا نزرع الخس وكنا نجيب مي ونسقيها، وكنا نزرع كمان جزر. بذكر جنب المدرسة كان في شارع وهناك كنا نشوف الجنود الانجليز. كانوا يضلهن لابسين شورتات لحد الركبة. المهم، كنا نروح هناك ونصير ننادي بصوت عالي "جورج" (ضاحكاً)، الجنود يصيروا يطلعوا علينا، وبعدين منقلهم "جورج" (يؤشر باصبع الإبهام الى الاسفل)، وهتلر فوق (يؤشر باصبع الإبهام الى الاعلى). ويصير الجنود بدهن يلحقونا واحنا نهرب للمدرسة. يعني كنا نقلهم انه هتلر راح ينتصر. بهداق الوقت كنّا باخر الحرب العالمية، اوروبا كانت كلها مُحتلة بيد المانيا ما عدا بريطانيا.
الانجليز فجأه انسحبوا من بئر السبع، فجاه بطلت اشوفهم، بس تركوا كتير من معداتهم وسياراتهم لليهود وسافروا على حيفا او يافا وطلعوا بالسفن.
لما صاروا اليهود يتدربوا على السلاح في المنطقة، اجو من السلطه او البلدية مش عارف مين، وجابوا خمس بنادق اعطوهم للحراس في المدرسة للحراسة. وصاروا يوخدو طلاب الثانوية الكبار ويعلموهم كيف يستعملوا السلاح اذا صار في هجوم على المدرسة. بذكر كان من الطلاب واحد من عائلة الجبيرات وواحد من عائلة ابو ربيعه وواحد من ابو جراد. الشاب من الجبيرات بالخطأ اصاب طالب من المدرسة وهو عم بتدرب على السلاح. الطالب اللي مات كان اسمه سلمان ابو ربيعه. بعد ما مات عملوله جنازة كبيرة، جمّعوا كل الطلاب وعملوا باقة زهور كبيرة حمّلوها لطلابين من الطلاب الكبار ومشيوا من الامام واحنا مشينا بالخلف ولفينا كل البلد لحد ما وصلنا المقبرة. اول يوم قعدنا حداد عليه ما اكلنا، وبعدين المعلمين اقنعونا نرجع نوكل.
المدرسة موجوده لليوم بس عملولها ترميمات وصار اسمها "بيت هحيال" (بيت الجندي)، لاستخدام الجيش. قبل فترة اطلعوا الجيش منها وعملوا فيها كمان مره تصليحات كتيره وساحة المدرسة عملوها موقف سيارات. بس الغرف بقيت مثل ما هي.
النكبة والتهجير
في يوم من الايام الوضع الامني صار سيء جدا، واجوا على الشارع الرئيسي اربع مجنزرات يهوية، دخلوا البلد وطلعوا من الجهه الثانية باتجاه مستوطنه "بيت إيشيل" القريبة من السبع. سمعَت الناس بالموضوع وصارت معركه بينهم وبين اليهود عند الجسر التركي.
بعد فترة لن تطول، صرت اسمع الناس تقول انه اليهود احتلوا الرملة واللد وانهم بقتلوا الناس. اليهود كانوا منظمين ومعهم اسلحة واجهزة اتصال. ولم يمر الكثير من الوقت حتى اقتربوا من منطقة النقب ووقعت معارك في الفالوجه. الفالوجة كانت مدينة مركزية في النقب وكانت مركز للجيش المصري. عندما تقدم الجيش اليهودي اعترضهم الجيش المصري وصارت معارك عنيفة جدا وتوقف تقدم الجيش اليهودي في الجنوب.
الجيش اليهودي ترك هاي المنطقة ولفّوا عن منطقة الفالوجة وجاؤا بالدبابات لبئر السبع من جهة المقبرة الاسلامية. الجيش المصري أجا على بئر السبع من مناطق وقرى بعد الفالوجة ودخلو بكميات كبيرة على المدينة.
ادارة المدرسة اخرجتنا من المدرسة خوفاً على حياتنا. وكان مدير المدرسة بهداك الوقت اسمه عبدالله من سكان رام الله. بذكر كانت الطيارات تيجي بالليل وتقصف بالبلد. كان الي عمّين ساكنين بالسبع بهداك الوقت فرحت أنام عند واحد منهم. الطيارات كانت تضرب بالليل عشوائياً وواحده من القنابل اجت قريب على بيت عمي. في قنبلة تاني ضربت عند سوق الخضار، ومات واحد مُقعد كان يضله قاعد على كرسي خشب على عجلات. النساء هربوا حافيات باتجاه الجنوب ، وفي نسوان هربت وناسية طفلها بالدار. بعد فترة صاروا اليهود يجيو مع عربايات ويوخدوا الاغراض من البيوت ويرموهم برا بما فيهم الكتب والملابس والفراش وكل شي. في ناس هربت باتجاه الجنوب وفي ناس هربت بإتجاه غزة وفي ناس راحت على سينا وفي قسم بإتجاه الخليل. البلد فضيت وما بفي فيها ولا عربي.
بعد ثلاث ليالي من القصف قررت اترك البلد وآجي عند اهلي. كنت صغير وكانت المنطقة بحينها اغلبها صحراوية مش مثل اليوم. كنت اعرف الطريق للبيت، يعني من داخل بلدة بير السبع ولحد بيت اهلي كان في حوالي 7-8 كيلومتر، طريق برية صحراوية. بس قبل ما اطلع، اهلي بعتوا شخص من بلدنا كان راكب على حمار، عشان يجي يوخدني. ركبت معه على الحمار وأجينا على البلد. لما انا طلعت كان الجيش المصري بعده بالبلد وكانت الجنود تبكي وتقول للناس "لا تتركوا بيوتكم" "يا اختي، يا اخواني، لا تتركوا البيوت…" وكان عامل جنزير شائك حوالي كل البلد. لكن الناس من الخوف والقصف تركت.
المدهش اني مش عارف بعدين وين راحت القوات المصرية اللي كانت بالمنطقة، وين راحوا؟ اختفوا؟ تركوا المعدات وكل شي وراحوا. مع انهم كانوا اقوى من الجيش الاسرائيلي. مش عارف شو السبب!!. سمعت انه الضباط المصريين كانوا يتركوا الجنوب ويهربوا.. وجندي بدون ضابط ما بنفع. مثل ما كانوا يقولو من زمان وقت حرب الفروسية والخيل "اذا كان كبير القوم ولّى، فقوم بلا كبير قليل المنافع". اليهود بعدها احتلوا بئر السبع بسهولة لانه ما كان في مقاومة. اللي اطلع الجيش كان الملك فاروق، الخيانة من الملك، والضباط اللي صمدوا بالفالوجة عملوا انقلاب بعدين على الملك فاروق.
تركت بئر السبع ووصلت عند اهلي، وتمكّنوا اليهود من احتلال بئر السبع. في جنبنا هون مستوطنه اسمها "نباطيم" ومستوطنه جوار بئر السبع اسمها "بيت إيشل" كانوا موجودات قبل ال 48، كانوا يقدموا كتير مساعدات للجيش اليهودي ويعطوهم معلومات.
لما شفنا انه اليهود احتلوا السبع، قرروا اهلي يتركوا ارضنا ويهاجروا على منطقة عتّير، اسمها ام الحيران اليوم. احنا هجرنا من الخوف، طلعنا حفاه جوعى وعطشى. اليوم انا بشوف بالتلفزيون شو بصير بسوريا وبالعراق وبتذكر شو صار معنا. كان معنا عده عائلات منها ابو رقيق، ابو غانم، ابو عصا وغيرهم من العائلات. وقت التهجير كنا نمشي على ارجلنا وبعض الاغراض نحملها على الجمال، طلعت انا وامي واخوتي وعمي واولاد عمي.
بعتّير كان في اودية وآبار محفورة بتتجمع فيها مياه الشتاء. عشنا هناك عدة شهور او اسابيع ما بذكر بالضبط، وكانت الحالة يرثى لها، لا أكل ولا ماء وحتى المواشي اللي معنا كانت تموت من العطش. واحنا بعتير كانوا بعض الرجال يتسللوا بالليل على بلدنا حتى يجيبو اغراض. عشنا حياه صعبة بعتّير، كان مع امي كيس فيه قمح، واجت عمتي الكبيرة وصاروا يقلوا القمح في مقلى على النار لحد ما يصير طري وكنا ناكل منه وهو ناشف. وكنا نحط خيش على الارض وننام. البرد كان قارس في ناس ما كان معها غطاء تتدفى فيه. ولا حدا ساعدنا، مش مثل اليوم بعطوا مساعدات للاجئين.
عتير كانت قريبه لطريق الظاهرية، اليهود راحوا على الظاهرية وشافوا شخص عند البير بشرب مي، طخوه وقتلوه.
بعد فترة، راح شخص من عنا على مستوطنه "نباطيم"، وكان يعرف احد المستوطنين هناك وحكاله عن الحاله اللي احنا فيها. المستوطن حكاله، خلي الناس ترجع وما تخاف.
تجمت القبائل مع بعض، كان يومها شيخ القبيلة عوض ابو رقية واخوه اسمه عيد ابو رقية. رجعنا، ولما قربنا من بئر السبع كان ممنوع نفوت عليها وقعدنا بخيامنا بمنطقة اسمها وادي عتّير قريب من بئر مي احنا منسميه هراوة. بالشتاء كان الطقس بارد جدا ونزل علينا ثلج مع انه ولا مره نزل ثلج بهاي المنطقة. هذا كان تقريبا بآخر عام 1948. وبعدين بشكل تدريجي رجعنا لمنطقة تل السبع.
العودة
بذكر في سنة 1950, رجعنا لارضنا وصرنا نفلح ونزرع قمح وشعير ونرعى بالارض. بال 51 اجو شخصين مسنين من يهود العراق بحكوا عربي. كانوا يدوروا بين الخيام ويعدّوا الناس.. انت اسمك ايش؟ من مواليد ايش؟…. وبعدين صاروا يسمحلولنا مره بالاسبوع ندخل بئر السبع لحد ما استقر الوضع. واطلعولنا هويات.
اول مره دخلت على السبع كان يمكن بال 52. وقتها حصلت على بنطلون وما كانوا يعرفوني اني عربي عشان كنت صغير وبشرتي شقراء. كنت انزل خفية على المدينة وامشي بين اليهود وما حدا يعرفني اني عربي. لما دخلت على المدينه كانت البيوت العربية كتيرة بعدها وكانوا يجيبوا اليهود من افريقيا يسكنوا في البيوت العربية وبعدين صاروا يبنوا بيوت جديدة الهم. اليوم في عدد قليل من اليهود اللي ساكن بالبيوت العربية القديمه.
بهداك الوقت صرت ابحث عن لقمة العيش عشان اعيّش امي واخواني، والدولة صادرت قسم من اراضينا بإدعاء انه ما معنا اوراق. بال 69 الدولة بنت اول حي في تل السبع وانا من الأوائل اللي سكنوا فيها. وبعدين صرت اشتغل بشركه باصات ايجيد واشتريت ارض وبينت عليها البيت اللي انا ساكن فيه اليوم.
---------------
قرية تل السبع
تقع شرقي مدينة بئر السبع بين تقاطع ودي الخليل ووادي بئر السبع بُنيت القريه شرقي تل اثري .تعد القريه اربعة عشر الف نسمه سكانها من البدو اقيمت القريه الحديثه عام 1968 بقرار من السلطات الاسرائيليه بهدف تجميع سكان النقب الفلسطينيين في مكان واحد بالقرب من بئر السبع وذلك بعد ان تم مصادرة أكثر من %95 من اراضيهم في النقب.
تقطن تل السبع العديد من العائلات منهم الاعسم ابو رقيق ابو عصا و الجراوين وغيرهم من العاءلات . تعتمد القريه في معيشتها على الايدي العامله حيث يمنع سكانها من الشغل في الزراعه في اراضيهم اذ صودر ما نسبته اكثر من 95% من الاراضي .
سكان القريه كلهم مسلمون وفيها سبعة مساجد فيها خمس مدارس ابتدائيه ومدرسة ثانويه .
-----------------
اسم الراوي: فرحان خير الدين الباز
مكان الولادة: منطقة تل السبع\ بئر السبع
اجرى المقابلة: رنين جريس ويوسف ابو مديغم
مكان المقابلة: بيت الراوي في تل السبع
تاريخ المقابلة: 13.8.2014