الحاجة سعاد سمارة (أم رفيق أغا ) فلسطينية من مواليد قرية ترشيحا ( قضاء عكا ) عام 1928، تعيش في مخيم النيرب منذ الهجرة عام 1948. توفي زوجها نظمي رفيق أغا قبل 7 سنوات من تاريخ هذه المقابلة. تعيش وحيدة في منزلها في أزقة المخيم.
ترشيحا قبل الاحتلال
تقول الحاجة أم رفيق أننا فلاحون أصحاب أراضي كان عندنا مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية وكنا نزرع الزيتون والدخان ونعصر الزيت ونصنع الصابون من بقايا الزيتون ونعيش حياة مستقرة إلى أن جاء ذاك اليوم المشوؤم وحصل ما حصل.
مجزرة دار الهواري
تقول أم رفيق أن شباب ترشيحا حملوا السلاح ودافعوا دفاعا مستميتا عن القرية وفجأة ظهر في السماء أربع طائرات وألقوا براميل متفجرات عليهم فسقط أحد هذه البراميل على منزل دار خوالي دار الهواري الذي كان مؤلفا من طابقين وقتل كل من كان داخل المنزل (تقطع حديثها وتصمت ثم تبكي كثيرا ) وبصوت مرتجف غير مفهوم كثيرا تتابع حديثها تقول لقد مات الجميع ثم تذهب والدتي مسرعة لتنقذ اخوتها. زوجي نظمي كان مع المقاتلين في إحدى المعارك فقالت لي أمي اذهبي وخذي معك أخوتك الصغار واهربي مع أهالي القرية وهكذا هاجرت لوحدي أمشي لا عرف إلى أين أذهب.
الرحلة الطويلة
بقيت أمشي مع جموع الناس المهاجرة إلى لبنان وبعد رحلة عذاب استمرت أيام طويلة وصلنا إلى قرية في لبنان اسمها (رميش) وهناك نمنا تحت الأشجار وكل واحد مشغول بهمه وبدأت الأيام تمر وتمضي على أمل العودة لأنهم قالوا لنا كلها بضع أيام والجيوش العربية سترجعكم. لكن للأسف كله كان كذب وبعد فترة جاء زوجي أبو رفيق من المعركة مصاب في كتفه برصاصة بعد أن تعذب كثيرا وهو يسأل عن مكان مهاجروا سكان ترشيحا، فقلت له يا أبو رفيق نسيت الذهب في الخزانة في ترشيحا ماذا نفعل فقال الآن سأذهب لأخرج الرصاصة من كتفي وبعدها سأتسلل إلى ترشيحا لأحضرهم. أبقي أنت هنا مكانك حتى لا أضييعك. وفعلا ذهب وكاد أن يُقتل هناك. أحضر الذهب وعاد إلى رميش، ومنها وضعونا في قطارات إلى سوريا وعند كل مدينة يفصلوا عددا من القاطرات ويأخذوا ركابها إلى مكان ما أما نحن فكان نصيبنا في حلب
مأساة المخيم
بعد أن وصلنا إلى المخيم كان في داخله عددا من الذين هاجروا قبلنا من سكان حيفا وعكا وغيرها لأن سكان ترشيحا آخر من هاجروا من فلسطين (في شهر 12 من عام 48 ) بعدها وضعونا في مهجع كان رقمه 9 سكنا في داخله 16 عائلة لا يفصل بين المنزل والآخر شيء. بعدها بدأنا فصل الغرف عن بعض حيث وضعنا بين الغرفة والأخرى أكياس طحين وأحيانا (بطانيات) وبدأت المعاناة الفعلية. كنا ننتظر أن توزع لنا الوكالة قليلا من الخبز والرز والمواد الأولية، كنا نعاني من الأمراض وبعد ذلك كانت المعانات الكبرى عندما اشتد البرد لم يكن لدينا وقود أو أي وسيلة للدفء ونزل الثلج بغزارة واستمر فترة طويلة جدا وبدأ الأطفال والشيوخ يموتون متجمدين في هذا الصقيع وذات يوم استيقظنا صباحا لأجد أبتني (نوال عمرها خمسة أشهر) لونها أزرق ومتجمدة من البرد. حاولت تحريكها لكن كانت قد فارقت الحياة (كانت تبكي وهي تحكي لنا مأساتها ).
العودة
تقول لو بقي في عمري يوما أتمنى أن أذهب فيه لترشيحا. لن أرضى بكنوز الدنيا بديلا عن وطني هكذا ختمت كلامها وهي تقول (الله لا يوفقك يا إسرائيل)
------------------
أجرى المقابلة: رامي السعيد