" ..... ولدت تقريبا بسنة 1934، ما معي شهادة ميلاد، لكن أختى ولدت سنة 1932 وأنا أصغر منها تقريبًا بسنتين. كان عمري حوالي 15 سنة لما طلعنا من الحدثة.
المرأة
بالحدثة، الزلمة كان يقعد بالديوان والمَرَة وبناتها تظلّ بالبيت جُوّا. إحنا بنات زمان ما كنّا مدلّلات مثل بنات اليوم. لا كنا نعمل أعياد ميلاد ولا شي. أبوي كان عنده ديوان مشهور، ما في مثله لا بالحدثة ولا بسيرين. بهذيك الأيام جاب بلّيط ودهّان من حيفا. الديوان منفصل عن بيت العيلة وله بوابة لحالُه، حتى الزلام ما يشوفوا أهل الدار والنسوان. أبوي كان مدلل، هو أصغر واحد بأخوته. كانوا أخوة اثنين وأربع خوات. أبوي تجوّز وعمره 17 سنة. ابنه الكبير اسمه عبد الرحمن. أبوي وعمّي بيملكوا من الأرض ألف دونم. أبوي ما كانش يشتغل بإيدُه، كان يشغّل ناس تحرث وتفلح أرضه. أبوي 500 دونم وعمّي 500. أبوي كان دايمًا لابس أواعي مرتّبة ويطلع رحلات ع طبرية وعلى الأردن وعلى سورية والشام. وكان إنسان معروف بكرمه واحترام الضيف.
الأرض والزراعة
كل الأراضي بعرف مكانها. وبعرف أسماء المناطق فيها. وأنا صغيرة كنت أشتغل بالأرض، كنت ألقّط مع أخوي سمسم وحمص وبصل. النسوان كانت تشتغل بالأرض. كنا نطحن القمح في كفر كما. وكان عندهم ممرضة وكنا نروح تعطينا قطرة عينين. كنّا نزرع بازيلا وعدس وفول، ومنها كانت مونة البيت. وعندنا جاج وبقر وحمام. فكنا عايشين منها. وكل الناس عندها مثل هذه الأشياء. أهل الحدثة كلهم ملّاكين.
كنّا نسلق البرغل بالحلّة يعني طنجرة كبيرة كبيرة، كان يجيبها واحد من لوبية، كانوا يرفعوها الزلام ويحطّوها على الموقد.
كنّا ننزل على العين، عين البلد. كانت عين شلبيّة. البنات كانت تملّي ميّ من العين وتاخذ عالبيوت. كنّا نحمل الجرة على روسنا. الشباب كانت تجيب الطرش على العين حتى تسقيه. كانت الشباب تنشل ميّ من البير وتحطّ بالران (حوض للماء مبني حول العين) والدوابّ تشرب من الران.
وكانت كمان عيون حول البلد. عين المغرة بأوّل البلد. جنوب البلد عين الحوارية. شرقيّ البلد عين أبو البيجان. بنص البلد عين البلد. وشمال البلد عين الحجل وهناك إلنا أرض حوالي 30 دونم.
التعليم
أنا ما تعلّمتش بالمدرسة. يا ريت تعلمت. كان بالبلد مدرسة بسيطة. الطلاب يقعدوا على الحصيرة ويتعلموا عند الشيخ. البنات ما كانتش تتعلّم. بس الأولاد. كانت الناس تفكّر إنّه البنت عيب تتعلم. طلعت البنات كلها عميا، بتعرفش إشي. بس الأولاد تعلموا. لمّا الولد كان يختم المصحف كانو يعملوا له حفلة. كانوا يلبّسوه ثوب مع زينة، والأولاد يمشوا وراه وينشدوا وِرْد، أناشيد دينية. متذكرة من النشيد: "مولاي صلّي وسلّم دائمًا أبداً، على حبيبي خير الخلق كلّهِمِ". إحنا البنات كنا نتفرّج على الحفلة من بعيد، لأنه كان ممنوع نكون مع الأولاد. أم الولد صاحب الحفلة كانت ترقص بالحفلة وتعمل أكل وتطعم باقي الأولاد. لما كنت صغيرة شفت حفلة ولد من جيراننا، اسمه محمد، وكان النصيب لما كبرنا، إنّه هاذ الولد خطبني وتجوّزني. اسمه محمد سعيد احمد داوود. الحفلة كانت تبدا بالصف عند المعلم، ويطلعوا بأغاني ويدورا بالحارة حتى يوصلوا دار الولد، ويجيبوه عند امّه.
كانوا كم واحد متعلمين بالبلد، قاسم محمد الطواهي كان متعلّم، ومبَدّا أبو سليم، وأبوي. أخوي عبد الرحمن تعلّم بالأحمديّة بعكا، وسليمان ابن عمي، ومحمود الجلفي.
الأعراس
أنا متذكرة عرس سليمان ابن عمي لما تجوز سميّة بالحدثة. يمكن هاذ كان آخر عرس هناك. يمكن آخر مناسبة بالحدثة كانت خطبتي. قبل هيك بسنة تجوز سليمان ابن عمي. كل سنتين ثلاث كان يصير عرس، لأنه البلد صغيرة. لما الواحد يتجوّز من برّة البلد، كانوا يروحوا يجيبوا العروس من بلدها للحدثة على خيل. وكانوا يغنّوا ويرقصوا. لكن النسوان منفصلات عن الزلام. قبل العرس بيوم، كانوا أهل العريس بحاجة لحطب كثير حتى يضووا الساحة بالليل ويطبخوا للعرس، فكان أهل العريس يجمعوا سبع ثمان صبايا، يدوروا على بيوت البلد ويطلبوا منهم حطب للعرس. كانت أغنية خاصة لهاذ الإشي. كانوا الصبايا يغنّوا بالحارات. تطلع صاحبة الدار تحطّ الحطب باب دارها وبعدين ييجي الزلمة اللي بيحمّل الحطب ويوخذهن على دار العريس. كنّا نلمّ من البلد كلها.
كانوا يولعوا النار بالليل بساحة العرس، وحولها تصير الدّبكة والسحجة والحفلة. هاي حفلة للزلام. والنسوان حفلتهن داخل بيت. العروس بتكون مصمودة عند دار خالها أو دار عمّها، وليلة العرس كانت النسوان تحنّي العروس هناك والزلام يحنّوا العريس عند داره. كنّا نجوّز بنص الشهر القمري، لأنه بيكون قمر مليان، وبيكون أقل عتمة. كانوا يعزموا كل أهل البلد ويعزموا قرايب من بلاد ثانية، من كوكب ومن كابول ومن سيرين، ومن كل محلّ فيه قرايب ومعارف.
العيد
بالأعياد كانوا يصلّوا صلاة العيد ويروحوا يعايدوا على بناتهم، وكل واحد بداره يذبح خروف أو سخل، ويعملوا صواني بالطابون.
بذكر إنه يوم العيد كانت البنات تلمّ بعض، ونعايد على النسوان ببيوتهن، ونوخذ منهن سميدة عشان نطبخ إحنا البنات لحالنا. كنّا نروح على الوعر، على الجبل قبال البلد، هناك قبر سيدي، سيدي ما نقبر بمقبرة البلد لأنه طلب يدفنوه بهاذ المحل. بهذيك المنطقة كنّا أنا والبنات نطبخ سميد ونوكل ونلعب. باب الدار كانت شجرة سدرة، كنّا نعمل عليها مرجيحة. ليلة العيد يحنّونا ويلبسونا فستان جديد.
الترفيه
كان ييجي ع البلد نَوَر، كنّا نسميهم برامكة. كانت منهم واحدة اسمها عليا المصرية. ومرّة كان عرس واحد من البلد، أجت عليا المصرية ورقصت بالعرس عند الزلام. هاي كانت كل سنة بموسم الفلاحة تيجي على البلد. كانت تعرفنا بيت بيت. كانت تروح على البيادر والناس يعطوها قمح.
وكان ييجي على البلد واحد حامل على ظهره صندوق غناني وفيه صور. كان يوخذ تعريفة من الولد والولد يدخل راسه بالصندوق ويشوف صور ويسمع غناني. كان هاذ الزلمة يصيح ويقول: تفرّج ع الجليلة، ام العين الكحيلة، ام الكذب والحيلة، تفرّج ع بدر النعام، شوف سفرة الملوك. فكنت تشوف صورة فيها فواكه. لما كان ييجي كانوا الأولاد يصيحوا بالحارة أجا صندوق العجايب أجا صندوق العجايب.
كانت واحدة من لبنان اسمها أم العلوك، كانت دايمًا حاملة ع راسها قُفّة وفيها خرز وعطور وعلوك (لبان)، وتيجي تبيع. بذكُر إنّي اشتريت منها خرز وخيّطت مناديل عشان أحضّر حالي لعرسي.
الإنجليز
البوليس الانجليزي كان ييجي على البلد راكب صواري، خيل. جوز عمتي محمود عبد اللطيف كان المختار وكانوا يباتوا عنده. ومرّات كانوا ييجوا ويباتوا بالمضافة عند أبوي. بالسنة مرة كان ييجي "تحصيل دار"، موظف ضريبة. كان أبوي يقول إذا كان ييجي "تحصيل دار" وفش زلمة بالدار، ما تسمحوا له يفوت، كنّا نكحشه. أخوي عبد الرحمن اشتغل سنتين بالبوليس الإنجليزي.
اليهود
كنا أصحاب احنا ويهود يمّة. كانت هناك دكانة لواحد اسمه ينكله البلكويش أبو داود[ يعنكله بركوفيتش]. كنّا نروح نشتري من عنده. هاذ أبو داود كان يعرف كل نسوان الحدثة. هو تأثر كثير لمّا طلعنا من البلد. كان بدّه إيّانا نظلّ. لمّا كنّا ننزل على طبرية كنّا نمرق من باب داره. وكان هو ييجي ع الحدثة لشغل. إحنا كنا نروح نبيع اليهود قمح وشعير وبصل ونشتري من عندهم حامض وكريب فروت. بشكل عامّ العلاقة مع اليهود كانت منيحة.
الاحتلال والتهجير
جوزي، كان من جيراننا. بس سلسلة بين دارنا ودارهم. أخوي خطب أخته فقام هو طلبني من أخوي. راح محمد وقال لخاله، لانّه أبوه كان ميّت، قال لخاله إنّه بدّه يخطبني. أجا خاله عند أبوي وطلبني منه. أبوي سأل إذا الأولاد موافقين، قالوا له آه، فقال مبروك. هاذ كان سنة 1946. قبل ما نتهجّر بسنة، سنة ونص. تهجّرنا واحنا مخطوبين. هجينا من البلد على كوكب أبو الهيجا. حوالي بشهر خمسة [أيار]، بعدها رجعنا مرّة ثانيه على الحدثة حتى نحصد. حصدنا ودرسنا، وفجأة أجا اليهود، وطوّقونا وطخّوا بالهوا. انهزمنا. خطيبي وأخوي كانوا يحرسوا مع بعض، حبسوهم اليهود مع كل الشباب اللي كانوا بالبلد. احنا البنات أخذنا القمح اللي درسناه ورحنا على كوكب. مشينا بالليل. الناس كانت خايفة من اليهود، لأنها كانت سامعة بدير ياسين. واحنا ماشيين جنب لوبية شفنا طيّارة بتحوم فوقنا ودبابات ماشية على الشارع. اليهود دخلوا الحدثة يوم أربعاء، لمّوا الشباب، وقالوا للختيارية روحوا من هون. اللي بيظلّ راح نطخّه. باليوم اللي هجّينا فيه، أغلب العيلات طبّت بالأردن. آخر شي ظلت عيلتنا بالحدثة. كنا أربع خمس بيوت. أمي أصلها من كوكب، جينا ع كوكب عند أخوالي، وهناك كان مغر وكان ممكن نتخبّا فيها إن صار حرب. وكوكب عالية، صعب توصلها سيارات أو دبابات، والطريق وعرة. حتى الدابّة كانت توصلها بالقوّة. وصل أبوي بساعات العصر على كوكب، وقال إنه اليهود أخذوا أخوي وخطيبي. ساعتها فتحنا عزا 3 أيام، لأنّا فكّرنا إنّه اليهود أخذوهم وقتلوهم. بعد حوالي جمعة وصلنا مكتوب من الصليب الأحمر إنه كلّ الشباب اللي انمسكوا بالحدثة، 17 شخص، موجودين بمعتقل طبريّة. عندها اطمأنّينا إنهم بعدهم طيبين. انحبسوا سنتين. طلعنا من كوكب وهجّينا لعرابة وسخنين. بعدين سمعنا إنه طمرة سلّمت لليهود ووضعها مستقر. وصلنا وادي سلّامة ونمنا هناك 12 يوم، وبعدها رحنا على نحف وهناك ظلّينا شهرين ونص. واحنا هناك اليهود احتلوا نحف وكل منطقة الشمال. طلعنا من نحف ورحنا على ساجور، نمنا بدار المختار، كان معنا ناس كثير مهجّجين، بعد كم يوم صاروا يقولوا إنّه ممنوع حدا يظلّ بساجور. اللي بده يشمّل على لبنان يروح. إحنا قلنا ما بصير نروح على لبنان وأولادنا بالسجن. فرحنا على طمرة. بعد سنتين، خطيبي طلع من السجن، وأجا على طمرة، وبعدها بسنة تجوزنا.
المرحوم محمد سعيد ابو الهيجا، زوج السيدة كاملة أبو الهيجا، كان احد المعتقلين عام 1948 عند احتلال القرية
اليهود، أول ما احتلّوا البلد، نسفوا أوّل اشي الجامع. بعد حوالي 15 سنة راح جوزي وزلام الحدثة على الحدثة، وما أخذوناش معهم، ولقيوا البلد كلّها مهدمة. بعد هذيك الزيارة صرنا نروح كثير على الحدثة. أنا تقريبًا كلّ سنة بروح، وبعرف بالزبط وين كانت دارنا. أنا بحبّ الحدثة، ولو تقول لي تروحي على القدس أو على الحدثة؟ بقول الحدثة. هاي مسقط راسي، وتعبنا فيها، حرثنا ودرسنا وزرعنا.
إن شالله بنرجع على الحدثة. يمكن جيلي ما يلحق. الله اعلم. لو اليوم يسمحوا لي أرجع برجع. هناك كل أرضي وبلدي. هون قاعدين فوق بعض ومش لاقيين محل نبني لأولادنا".
--------------------
شهادة
كاملة محمود الخطيب أبو الهيجا
مكان الولادة: قرية حدثا
تاريخ الولادة: 1934 (تقديرًا)
مكان المقابلة: منزلها الحالي في طمرة
تاريخ المقابلة: 18.3.2014
أجرى المقابلة: عمر الغباري