" .... عُمْر الحدثة حوالي 700- 800 سنة. حسام الدين أبو الهيجا الذي كان مساعد لصلاح الدين هو جدّنا الأكبر. يقال إن صلاح الدين أعطى لأبو الهيجا قرى كوكب أبو الهيجا والرويس والحدثة وعين حوض. أنا ولدت بالحدثة. كان عندي أربع أخوة وثلاث أخوات: عبد الرحمن نصرة محمد كاملة آمنة عادل مروان. كان بالحدثة مدرسة وجامع وكلّ سكانها من عائلة أبو الهيجا ولها فروع.
أغلب البناء كان من طين ما عدا بعض البيوت كانت من حجر ومن اسمنت. بيتنا كان من اسمنت ومقصور وفيه ديوان ولكن السقف من طين. بيتنا كان مفتوح للضيوف وكان مقر لكل من يمرّ بهذه المنطقة. جدّي لما مات وصّى أن يدفنوه في قطعة أرض غربيّ البلد اسمها أم دريس وفعلا دفنوه هناك. وابنه طلب أن تُبنى غرفة عند القبر وتُجهّز بالحصير والإضاءة والأكل كل يوم، وذلك لتكون مأوى للعابرين بالمنطقة. لليوم قبر سيدي موجود غربي بيتنا لوحده. ومقبرة البلد ما زالت موجودة ولكن بمكان ثاني. لأهل البلد كان حوالي 15 ألف دونم.
كلّ حارة عندها بيدر. بالبيادر كانت تصير سهرات بالصيف، أغلب السهرات كانت على قصص أبو زيد الهلالي وعنترة بن شداد. وكانت عادة بالبلد إنه كان فيها راعي للعجّال، يعني البقر، يطلع للمرعى بساعات المغرب ويبيت مع البقر في البر لثاني يوم مساءً. كانت الناس تشتري حاجيّاتها من طبرية، من ملابس وتمر وراحة. بالبلد كانت بس دكاكين صغيرة.
القرى اليهودية التي كانت بالمنطقة قبل النكبة هي يبنيئل اللي اسمها أيضًا يمّة وهي أقرب شي علينا، وكان كفار كيش وكفار تبور اللي اسمها كان مسحة، وسارونة على أرض صارونة، والقرى الفلسطينية حول بلدنا هي عولم ومعذر وسيرين وكفر سبت وكوكب الهوا التي كانت مركز صلاح الدين الأيوبي والعبيدية والمنشية. سيرين كانت تضم ناس من عائلة أبو الهيجا أصلهم من الحدثة، وعائلة النمامسة وعائلة المناتحة والزعبية. وكان فيها عائلات مسيحية.
من الحدثة لطبرية كانوا يروحوا على الحمير والخيل. كان بالشارع الرئيسي باص ييجي من العفولة وينزل على يمّة يعني يينيئل ويكمّل على طبرية، فكانت ناس تمشي من بلدنا لموقف يمّة وهناك تركب بالباص. ربع ساعة مشي بين الحدثة ويمّة.
التعليم
سجلني الوالد في مدرسة ابتدائية في قرية سيرين القريبة من الحدثة، ما يفصل سيرين عن الحدثة هي قرية عولم، وهي واحدة من القرى التي يسكنها المغاربة، جاؤوا مع عبد القادر الجزائري في منتصف القرن التاسع عشر، فسكنوا في هذه الأرض. هناك قرى مغاربة أخرى بالإضافة لقرية عولم مثل قرى معذر وكفر سبت وغيرها. كل يوم صباحًا كانوا أخواتي وبنات عمّي يوصلوني إلى سيرين. كان طالب آخر معي، الله يرحمه، اسمه مصطفى أبو الهيجا، نزح للأردن وتوفي قبل حوالي سنتين، كنا إحنا الطلاب الاثنين الوحيدين من الحدثة نتعلم في سيرين. مدرسة الحدثة من زمن العثمانيين كانت عبارة عن غرف متفرقة إما في الجامع أو غرف مستأجرة في أماكن مختلفة من القرية ولم يكن مبنى خاص بالمدرسة، ولكن رسميًّا كانت مدرسة، سكروها الانجليز. بذكر انه كان فيها صف أول وثاني وثالث. أنا تعلمت سنة في سيرين خلال 1947، يعني وعمري حوالي 8 سنين.
الإنجليز
سنة 1947، حصلت حادثة مشهورة بين الشرطة البريطانية وأهل الحدثة عندما قررت الحكومة البريطانية توطين قبيلة السمير في منطقة جبليط التابعة لأهل الحدثة بعد ما رحلوهم من مكان آخر. فيها حوالي 4-5 آلاف دونم. قرروا يمنحوهم هذه الأرض كمراعي لحلال ومواشي قبيلة السمير. سمعنا الخبر – كنت في سيرين يومها – إنه هناك معركة بين أهل الحدثة والبوليس الإنجليزي. جميع الأهالي شاركوا، من عجايز وختيارية وشباب وأولاد، وكان صدام عنيف، جابوا سيارات عسكرية وما إلى ذلك، ولكن بالنهاية أهل الحدثة نجحوا بطرد البوليس الإنجليزي وقبيلة السمير إلى خارج أراضي الحدثة. أبعدوهم إلى منطقة بين سيرين وعولم، وسكنوا هناك حتى سنة 48، واليوم السميرية ما زال لهم أقارب موجودين في البعينة النجيدات حتى اليوم. كان هذا الحادث ببداية عام 47. الإنجليز ظنّوا انه إذا قرروا ما قرروه بدون ما يسألوا أهل الحدثة، ظنّوا أننا نتقبل الأمر ببساطة. هذه كانت أرض مرعى مهمة جدًّا لأهل الحدثة.
اليهود
أذكر أيضًا إنه كانت علاقة مميزة بيننا وبين اليهود في يبنيئل أو يمّة. كانت علاقات تجارية، شراء وبيع. وكانت بيننا زيارات، وكانت ألفة محترمة بين أهل الحدثة وأهل يبنئيل. أنا كولد أذكر يهودي كنا نسمّيه بلكويش، اسمه هو بوركوفيتس، كان هو مختار يبنيئل وكان عنده محل للبيع. أهل الحدثة كانوا يشتروا من عنده. كانت له صداقة مع مختار الحدثة محمود عبد اللطيف أبو الهيجا، وكانت له علاقة مع بيتنا وبيوت كثيرة. العلاقة كانت جيدة بسبب الجوار، وكذلك يبنيئل كانت الممر الذي مشيناه في طريقنا سيرًا على الأقدام إلى طبرية. حتى اليوم العلاقة مع الكبار من يبنيئل ما زالت جيّدة. كانت لنا زيارات بعد الـ 48 ولقاءات في يبنيئل مع الأشخاص الكبار بالسن الذين عرفوا الحدثة قبل التهجير. أنا كنت أروح إلى طبرية مع أهلي. ولأني كنت صغير كانوا يركّبوني على الفرس وهم يمشوا مشي. بيننا وبين يهود يمّة (يبنيئل) لم يحصل توتر حتى عام 48. هم ما كانوا السبب في تهجيرنا. بالعكس كانوا يقولوا لنا ابقوا بالحدثة. إن هجموا اليهود إحنا بنحميكم وإن هجموا العرب انتو احمونا.
النكبة
لكن ما أثّر على نفسية السكان العرب كانت مذبحة دير ياسين. سمعنا عنها وإحنا بالحدثة. قضيّة العرض هي قضيّة مقدّسة عند العائلات، فكان خوف إنّه اليهود راح يعتدوا على عرض النساء، ولذلك قام أهل الحدثة بنقل النساء والأطفال إلى مكان أكثر أمنًا. جزء إلى الأردن، وجزء إلى كوكب أبو الهيجا، وجزء جاؤوا لفترة قصيرة إلى كفر كنا وطرعان وبعدها رجعوا إلى الحدثة. هذا قبل احتلالها. أعتقد هذا كان خلال شهر خمسة. إحنا جينا على كوكب لأنهم أخوالنا، هناك قرابة بيننا وبينهم. لكن الرجال كلهم ظلّوا بالحدثة وحصدوا الزرع واشتغلوا بالأرض وناموا بالبيوت. بهذه الفترة أجا جيش إسرائيل وطوّق البلد، اعتقلوا حوالي 15- 20 شخص، والدي رحمه الله أنذروه وهددوه بالقتل إن لم يترك فورًا فركب الفرس وجاء إلينا في كوكب. باقي الشباب، حوالي 20، اعتقلوهم، منهم اخوي محمد وأبناء عمي. وبعد الاعتقال وطرد الأهالي، وما زالت البيادر عامرة والقمح موجود، بدأوا بنسف الحدثة، وأوّل ما نسفوه كان جامع الحدثة. ونسفوا كمان بيوت بعد أيام من احتلالها. قسم من أهل الحدثة راح على الأردن، وهم الأغلبيّة الساحقة، ظنًّا منهم إنّه بعد هدوء الأوضاع سيعودون. الحدثة كانت في فم كماشة بين جنود إسرائيل وحدود الأردن، فالناس خافت أن تكون هذه منطقة ساخنة بين الطرفين. خافوا على أرواحهم.
أنا أذكر اليوم الذي رحّلونا فيه، نحن الصغار والنساء، ركّبونا بسيارة شحن، مستأجرة، لا أعرف من أين، وأنا قاعد عند باب الشاحنة من الخلف، كنت مبسوط، لأنها كانت هذه أوّل مرة أركب فيها سيارة. جينا على طريق لوبية، كان الشارع مسكّر، أهل لوبية سكروه بحجارة، صار نقاش محتدم بين رجال الحدثة ورجال لوبية. أهل لوبية سألونا ليه انهزمتوا؟ وحاولوا منعنا وطلبوا منا نرجع. بالنهاية تفاهموا إنّه رجالنا رايحين يوصلوا الأولاد والنساء وبعدها يرجعوا إلى الحدثة. لذلك فتحوا الطريق وسمحوا لنا نكمّل إلى كوكب.
بعد هدم البلد واعتقال الشباب، صارت نفسية أهل البلد سيّئة. كان صدام بين قسم من أهل كوكب وبين جيش الإنقاذ. جيش الإنقاذ كان بدّه يفرض رأيه، وصار اشتباك مسلح بينهم، ولكن لم يصب أحد، وتمّ بعد هذه الحادثة طرد أفرد جيش الإنقاذ من كوكب، وعددهم كان قليل. كوكب كانت آخر بلد عربية تسقط، بسبب موقعها الجبلي وصعوبة الطرق إليها والغابات التي تغطيها. فجاء احتلالها بعد حوالي 3 شهور من احتلال المنطقة.
ما أذكره أيضًا إنه بموسم قطف الذرة، كنا بكوكب، رحت مع أخوي إلى سهل البطّوف حتى نقطف ذرة. أخوي عبد الرحمن، الله يرحمه. قال لي أقعد، لأني صغير، وأنا بقطف. كنّا نقطف الذرة حتى نطحنها ونخبزها. فجأة، حوالي الساعة 11 بالليل بدأ قصف وإطلاق نار على كفر مندا. مش بعيد عن السهل اللي احنا فيه، فقال أخوي لازم نروح إلى كوكب فورًا، وكان الوقت نص الليل، حملنى على كتفه ومشى، واحنا طالعين أرض الديدبة كان الرصاص ييجي بين إجرينا. كان لون الرصاص أصفر ويلمع بالعتمة، سألت أخوي شو هذا اللي بيلمع؟ فكان يقول – حتى ما يخوفني - هذي دودة الصيف. ودودة الصيف فعلا لونها أصفر. حتى وصلنا كوكب. وبعدها قال لي إنه هذا كان رصاص. هذا كان بشهر 7 [تموز] تقريبًا. في هذه الأثناء، الحدثة كانت صارت محتلّة. كنّا في كوكب، ولكن ما كنّا عارفين شو راح يكون مصيرنا. كنا في حيرة، هل سنرجع إلى الحدثة أو نبقى في كوكب؟ ما كان الأمر واضح.
احتلال حدثا
ما كان سبب مباشر لاحتلال الحدثة. كأنه شئ مدبّر. ما كانت معارك. يوم احتلال البلد قتلوا واحد اسمه عبد ساره، كان عنده مشكلة بالسمع، نادى عليه الجيش لكنه ما سمعش فأطلقوا عليه النار وقتلوه. وواحدة مريضة عقليًّا انقتلت بنفس اليوم. ما كانت معارك. أجو اليهود وطردوا كل من كان بعده بالبلد. يبدو أنه مخطط لتنظيف القرى. كل القرى طردت ما عدا قرية السركس كفر كما. كفر سبت وعولم ومعذر وسيرين كلها هجّروها. غالبية أهل الحدثة نزحوا إلى الأردن. يمكن نسبة الذين بقوا من الحدثة في البلاد لا يتجاوز 20%. لكن اليوم، هناك تواصل بيننا وبين أقربائنا بالأردن ونتلقى منهم دعوات لأعراس ونتبادل زيارات.
اعتقلوا حوالي 20 رجل يومها. أخذوهم إلى معتقل طبرية وبعدها إلى معسكر صرفند قرب عتليت، وظلوا معتقلين حوالي سنة سنة ونص، وسلّموهم بعد تسريحهم هويات حمرا، ما معناه أن وجودهم بالبلاد مؤقت وسيتم طردهم إلى الأردن. فقام الشباب بمساعدة المحامي طيّب الذِّكر حنّا نقارة من حيفا بتقديم طلب والنضال أمام المحاكم حتى حصلوا على بطاقات هويّة زرقا. وهكذا بقوا بالبلاد. كانوا يقترحوا على المعتقلين وهم بالسجن أن يرحلوا للأردن، قسم كان يوافق وقسم لأ.
اللجوء
قبل احتلال كوكب إحنا انتقلنا إلى سخنين لعدة أيام، وبعدها رحنا إلى وادي سلامة، وهناك ظلينا أسبوعين ثلاثة، يبدو إنّه أبوي كان مخطط نطلع إلى لبنان أو الأردن، ثم وصلنا نحف وسكنّا فيها 3 أشهر وهي غير محتلة بعد، لدرجة أن أهلي فكّروا يسجلوني بمدرسة نحف، لكن وصل الجيش الإسرائيلي وطوق نحف وجمع كل رجال البلد بالساحة، ومن بينهم كان أبوي وأخوتي وأولاد عمي. أنا كنت ولد صغير فبقيت مع أمي وأخواتي البنات بالبيت. جمعوا كل الرجال من عمر 16-17 سنة فما فوق. اختاروا أخوي المرحوم عبد الرحمن وصاروا يضربوه بالعصا على راسه وعلى وجهه بدون سبب. بعدها طلع جندي على الدبابة وأطلق قذيفة وهجّج كلّ الناس الموجودين، انقتلوا اثنين من نحف وبعض الناس أصيبوا وباقي الناس صارت تركض من الخوف. أبوي كان طلب منّا انّه بحالة مثل هذه نروح إلى ساجور ونسكن عند صديق من أصدقائه هناك، بينما أبوي وأخوتي بيبقوا بالبَرّ. فعلًا رحنا وتضيّفنا عند أصدقاء أبوي من عائلة جدعون، احترمونا وكرّمونا لمدة أسبوعين تقريبًا، وكانت معنا عائلة من أهل الدامون.
بعدها جاء منادي يصيح بالبلد إنه كل شخص بيحبّ يروح إلى الأردن أو لبنان ممكن يروح ولكن بدون ما يأخذ معه أيّ شيء. المنادي كان من ساجور ولكن طبعًا أخذ تعليمات من الجيش إنّه يقول هيك. وصلتنا معلومات إنهم نقلوا أخوي بعد ما تصاوب بنحف، نقلوه عند عرب الكمّانة، هناك كانوا أولاد عمتي، وكانوا يعالجوا جروحه بالسمنة. وبعد ما تحسنت حالته بعث لنا مرسال إنه تعالوا على سخنين ومنها إلى طمرة. لأن طمرة صارت محتلة ولكنها مكان آمن. كنّا أولاد ونسوان وما معنا رجل كبير. فكان من المفروض إنه أخوي عبد الرحمن يلاقينا بمنطقة ويوخذنا بالليل لطمرة. وصلنا سخنين الساعة ثمانية بالليل، أجا اخوي عبد الرحمن لسخنين وقال تعالوا نستغل الليل ونكمّل إلى طمرة. بطمرة جينا عند خالنا واستقبلنا وسكنّا عنده وحصلنا على هويات مع أهل طمرة. وأبوي الذي حاليًّا كان بالجبال انضمّ هو الآخر إلينا. ومن ذلك اليوم ما زلنا في طمرة.
طمرة كانت معدة للترحيل، أهل طمرة طلعوا إلى منطقة صنيبعة، ولكن عقلاء طمرة ومنهم أحمد حميد ذياب أبو عفو، كان شخص متعلّم، وكانت له علاقة مع طلاب يهود من مدرسة كدوري، هناك هو تعلم، ولذلك أخذ على عاتقه تسليم البلد شرط ما يكون من طرف اليهود أيّ مساس بأهل البلد. وهو السبب الرئيسي لبقاء أهل طمرة، وهو ساهم أيضًا في بقاء أهل سخنين. وبقاء طمرة ساعد على بقاء عرّابة ودير حنّا. طمرة استقبلت لاجئين من عدة قرى، من الرويس والدامون والحدثة وميعار. أهل طمرة قاسمونا لقمة العيش والمسكن وشربة الماء. كأننا كنّا أهل. ولذلك ما زلنا أهل.
سكنّا في دار الخال عبد الحليم مطلق ذياب حوالي سنة ونصف، بعدها سكنّا عند بيت العم محمد عواد أبو طعمة. روابط المحبة والصداقة ما زالت قائمة بيننا حتى اليوم. أنا دخلت مدرسة طمرة بالصف الأول، تأقلمت مع أولاد صفي، وكانت بيننا زيارات، زكنّا نلعب سوا بالحارة وبالبيادر مثل لعبة عسكر – حراميّة والغميضة. وكنت مساعد الدرّاسين على البيادر [الفلاحين عندما يدرسون أي يكسّرون سنابل القمح في ساحة البيدر بواسطة لوح ضاغط لاستخراج حبّ القمح وفصله عن القشّ، كان اللوح يُجرّ بشكل دائري على كوم السنابل بواسطة حيوانات].
نتيجة الوضع الاقتصادي، لم أكمل تعليمي بعد الصف الثامن، وكنت مضطرًا للعمل مثل أخوتي لمساعدة والدي. بالبداية كنت أشتري بيض الدجاج من القرى العربية وأبيعها بالمستعمرات اليهودية قرب حيفا، خاصة منطقة كريوت. توفى والدي هنا في طمرة سنة 1959. انضمّيت للشبييبة الشيوعية، عندما كان عمري حوالي 16-17 سنة. رغم الحكم العسكري والصعوبات الاقتصادية وقلة التصاريح للتنقل، إلا أنّني رأيت في الحزب الشيوعي صاحب مواقف مبدئية ويدافع عن العرب ويدعو إلى عودة اللاجئين إلى قراهم. تعلّمت الكثير من المبادئ وعرفت الصمود عن طريق رفاق في الحزب مثل أنيس أبو رومي وعلي عمر زيداني وإبراهيم فحماوي وغيرهم. وهكذا تعلّمت وتثقّفت ذاتيًّا. في سنة 1998 رشحت نفسي لأول مرة لرئاسة بلدية طمرة ولكن لم يحافني الحظ. وعُدت ورشحت نفسي ثانية، فحالفني في انتخابات 2003 وأيضًا في انتخابات 2008 وكنت رئيس بلدية طمرة من 2003 حتى 2013. بعد إتمام دورتين في رئاسة البلدية بفضل الدعم الذي حظيت به من أهل مدينتي، قررت مختارًا عدم ترشيح نفسي مرّة أخرى، ولكني ما زلت شخصًا فاعلًا في خدمة مجتمعي.
العودة
كان التنقل والخروج من طمرة صعب بسبب الحكم العسكري. كان حكم عسكري علينا. بسّ بعد عشرين سنة من التهجير وفي مناسبة يوم استقلال إسرائيل قررنا نروح على الحدثة. عشرين سنة بعد التهجير. رحنا وفد كبير. حالة الناس التي زارت البلد يومها كانت مأساويّة. النحيب والبكاء اللي صدر من كل الناس كان لا يصدّق. أول زيارة. الناس كأنه كان فيها شيء وانفجر. بعد هذه الزيارة صار الأمر طبيعي وصرنا نزور البلد مرتين ثلاث بالسنة. لما وصلنا البلد كانت البيوت كلها مهدّمة، لكن الأرض حولها كانت على حالها، تقاسيم الأرض ما تغيّرت، والمَيّ جارية، وما زالت جارية. البيوت هدّمت بالمتفجرات وحجارتها سرقت. أهل البلد رافضين صفقات مع الدولة لبيع أو تبديل أرضهم. ما عدا يمكن يمكن 300 دونم من 15 ألف دونم. الأرض أرضنا ومتمسكين فيها. أبوي كان له 500 دونم وعمّي كان له 500 دونم، وما زلنا متمسكين بالأرض. والعودة لا بديل عنها. والعودة لا يمكن تجزيئها، ومن حق اللاجئين بالأردن وكل مكان أن يعودوا إلى بلدهم. بلادنا يمكنها استيعاب كل اللاجئين الفلسطينيين. العودة لها وجهان، اللاجئون الداخليّون يجب أن يعودوا فورًا. هذا حقّ على دولة فيها مواطنين هجّروا فلماذا لا تعيدهم إلى قراهم؟ مثلًا، غالبية أهل الرويس ساكنين في طمرة رغم أن الرويس وطمرة متلاصقتان، فأيّ منطق يقول ألّا يرجع ابن الرويس إلى الرويس ليبني فيها بيت؟ وكذلك أهل الدامون وميعار، وقراهم أمام أعينهم. عودتهم لقراهم لا تغير بالمعادلة الديمغرافية أيّ شيء، لأننا محسوبين مواطنين بكل الأحوال. وحسب تقسيم الـ 47 الحدثة ضمن حدود دولة إسرائيل. منع عودة اللاجئين – خاصة الذين بداخل دولة إسرائيل – هو تنكّر لكل القوانين والمعاهدات المتعارف عليها دوليًّا. بالنسبة للاجئين في الخارج هناك منظمة التحرير تفاوض عنهم. لكن من حيث المبدأ حق اللاجئين أن يعودوا لأرضهم. عندما يعودون ويحل سلام بالبلاد يمكن توفير مكان للجميع".
------------------
عادل محمود الخطيب أبو الهيجا
مكان الولادة: قرية حدثا
تاريخ الميلاد: 2.6.1939
مكان المقابلة: منزله الحالي في طمرة
تاريخ المقابلة: 18.3.2014
أجرى المقابلة: عمر الغباري