- اسمك الكامل
- اسمي بطرس أبو منه، أبوي اسمه شكري، بالأصل من الرملة، وأمي اسمها نجلاء منيّر من اللد. إحنا ثلاثة أخوه وأنا الكبير. أخوي الوسط اسمه وديع وأخوي الصغير اسمه نبيل. بديع ساكن بالقدس حالياً وأخوي الصغير ساكن بأمريكا. أبوي توفى وأنا صغير وأمي بقيت ساكني مع أهلها في اللد.
- متذكّر شكل البيت اللي كنت عايش فيه؟
- بيتنا كان بآخر المدينة، بآخر الطريق اللي بتوصل بين اللد والرملة، كان هناك حيّ صغير فيه كتير عائلات من بيت العمش وكانوا يسمّوا الحارة بحارة العمش. هناك كنّا عايشين ببيت من خشب ومش من حجر. كان عنّا قطعة أرض صغيرة عليها هذا البيت. أبوي كان موظّف بالبريد وما كان عنّا ثروة أو مصاري أو أرض اللي يكون مدخول منها. يعني كنا عايشين على مدخول أبوي. أمي كانت ربة بيت، لأنه بهديك الفترة قليل جدا النساء كانت تشتغل، وإذا اشتغلوا كان بالأساس كمعلمات أو ممرضات.
- بشكل عام من شو كانت الناس باللد عايشة؟
- اللد بلد زراعية بالأساس، ومعظم الناس كانت تشتغل بالزراعة وتبيع المنتوج الزراعي في اللد أو في يافا وبلاد أخرى. اللد كان فيها كتير زراعة خضراوات وكان في كتير زيتون. باللد كان في معاصر زيتون، يمكن خمس أو ست معاصر زيتون وكلها معاصر تقليدية، كانوا يعصروا الزيتون على الحجر، أحيانا كانوا يعصرو السمسم كمان ومنّه يطلعوا زيت السمسم. باللد كان في بيّارتين أو ثلاثة صغار.
ما كان في كتير صناعة باللد، بس كان في ورشات صغيرة مش أكثر. كان كمان فيها سوقين أسبوعيات. السوق الكبير كان بالبلد تحت، كان سوق عام اللي يجو عليه ناس من برا، كان اسمه سوق الاثنين. وكان فيه كمان سوق للدواب، هذا كان بالطريق للمطار. هناك في جسر اسمه جسر الظاهر، قبل هذا الجسر كان سوق الدواب. أسبوعياً كانت التجّار تيجي عليه ويبيعوا أو يشترو دواب. هذا السوق كان سوق مهم بالنسبة للمدينة والقرى والمجاورة وما بذكر إذا كان في سوق شبيه له بالرملة أو يافا.
- شو هذا جسر الظاهر؟
- هذا الجسر كان على طريق المطار، الطريق القديمة للمطار. هذا الجسر كبير، بناه واحد من سلاطين المماليك اسمه الظاهر بيبرس، ولهيك اسمه جسر الظاهر. السيارات لليوم بتمشي عليه. الجسر موجود فوق الوادي.
- شو ذاكرتك عن المطار؟
- ما بذكر كتير عن المطار، بس كان عندي خال وبعده عايش باللد، اسمه منير منيّر، كان يشتغل بالمطار. المطار كان موجود من منتصف الثلاثينات وكان يشغل فيه كتير ناس من المنطقة ومش بس من اللد.
مهم أذكر كمان إنه كان في سكة حديد باللد، كانت غربيّ اللد، وكان هناك حيّ اسمه حيّ المحطة. سكن فيه العماّل اللي اشتغلوا بالمحطة، قسم منهم كانوا من أهل اللد وقسم من برّا اللد بس المعظم كان من برّا اللد. القطارات كانت توصل لمصر وغزة وللشمال لحيفا وبيروت.
- انت سافرت بالسكة؟
- مش كتير، بس بذكر إني سافرت على القدس. القطار للقدس كان يوخد شوية وقت عشان القدس على جبل.
- إحكي لنا كمان عن المواصلات في اللد
- كان باللد شركة باصات محلية اللي توصل بين اللد والرملة ويافا والمطار. ما كان شركة باصات اللي توصل لكل البلاد، يعني مثلا اللي بدّه يروح على حيفا، كان يروح على يافا ومن يافا لحيفا. أما داخل اللد فكان في باص نمرة 11 (ضاحكاً). بس على المدرسة باللد كنت أروح مشي وما كنت أخذ باص. يعني كنت امشي حوالي نصف كيلو متر للمدرسة.
- احكي لنا عن المدرسة؟
- باللد كان في مدرسة ابتدائية لصف سابع، وآخر سنتين فتحوا أول ثانوي. ما كان فيه باللد مدارس ثانوية، مع انه اللد كان فيها حوالي 22 الف نسمة أو 23 الف. كان فيه مدرسة للصبيان تابعة للحكومة ومدرسة للبنات وهذا هو. اللي بدّي احكيه انه التعليم في المدينة ما كان كاف حتى يغطّي احتياجات المدينة والشباب الموجودين. كتير أولاد ما كان الهم أماكن بالمدرسة.
- شو المواضيع اللي كنتو تتعلموها؟
- كتير مواضيع مثل لغة عربية، تاريخ، جغرافيا، انجليزي ورياضيات. كان في برنامج عام لدائرة المعارف بفترة الانتداب. أنا كمّلت دراستي الثانوية، وما خلّصتها، في المدرسة العامرية بيافا. كنت أسافر يوميا من اللد على يافا، وكمان كانوا يسافروا آخرين من اللد يتعلموا بيافا وكان في معنا بنات يسافروا يتعلموا بيافا. كنت أطلع يومياً الساعة ستة ونص صباحا بالباص، الطريق كانت حوالي 40 دقيقة. بذكر انه شركة الباص كانت تعمل تخفيض لطلاب المدارس. مهم أذكر انه قلائل جدا اللي كانوا يروحوا على يافا يتعلموا، يعني أنا بجيلي كان يتعلم معي ثلاث أولاد وبنت واحدة اسمها سلوى، هاي أم ناديا الحلو. والشباب كان إسمهم حيدر العلمي، وشاب أعمى أسمه رجائي بصيلة. رجائي كمّل الدكتوراه بأمريكا وعاش هناك.
- كانت المدارس بحينها جاهزة تستوعب طلاب مع تحديات خاصة؟
- كان في آلات متوفرة بالمدارس وكان رجائي يقرأ على جهاز خاص للعميان. بس اللي بدّي أحكيه إنه بهداك الوقت اللي كان يخلّص صف سابع باللد، كان وكأنه أنهى تعليمه، وما كان في وعي لإرسال الأولاد لإكمال تعليمهم.
- انت كيف قررت تكمّل تعليمك بيافا؟
- أنا كنت شاطر بصفي وكان عندي طموح شخصي ودافع قوي إني أكمل دراستي، وعائلتي شجعتني كتير.
- انت كطفل، بعد المدرسة، كيف كنت تقضي أوقات الفراغ؟
- باللد ما كان في ملاعب ولا كتير أشياء اللي تلهي الشباب. كنّا نلعب بالشارع اغلب الوقت، بس مؤخرا بأول الأربعينات بدأوا يفتحوا نوادي بالمدنية، ومع الأسف كانت نوادي طائفيه، يعني الروم الهم نادي والكاثوليك نادي والمسلمين نادي أو أحيانا عيلة معيّنه تفتح إلها نادي. الشباب كانوا يروحوا على النادي يلعبوا بينج بونج أو يقرأوا بمكتبة النادي أو يقعدوا ويتحدثوا.
- انت كنت تروح على النادي؟
- طبعا، كنت العب بينج بونج والكبار كانوا يلعبوا طاولة زهر، وكان في غرفة مطالعة نقرأ فيها الجرائد والمجلات، معظمها مجلات اللي تيجي من مصر مثل الهلال وغيرها، وكمان نقرأ جرائد محلية مثل فلسطين والدفاع.
- والبنات كانت تروح على النادي؟
- نادر جداً. مجتمعنا كان محافظ كأي مجتمع زراعي وما كان في حرية التحرك أو السفر للبنات.
- والكبار، كيف كانوا يقضوا أوقات الفراغ؟
- أمي كانت كل الوقت بالبيت، والرجال الكبار بالعمر كان الهم مقاهي. كانوا يروحوا بساعات العصر على القهوة ويلعبوا طاوله ويتحدثوا. أسماء القهاوي كانت حسب اسم صاحب القهوة، وما بذكر إذا كان في قهوة مشهورة بهداك الوقت.
- إحكي لنا كيف كانت الشباب والبنات يتعرفوا على بعض؟
- (ضاحكاً) بمجتمعنا المحافظ الأم أو الست كانوا يزوروا عائلات ويختاروا بنات لأولادهم. كان في فترة خطوبة وخلال الخطوبة كانوا يتعرفوا على بعض. كانت الخطوبة رسميّة وتمتد سنه تقريبا، وهيك يتعرفوا على بعض أكثر. الخطّاب كانوا يروحوا مشاوير وكانوا يروحوا مثلا على السينما بيافا، أو يروحوا على شط البحر بيافا أو يروحوا على زيارات بيتيّة.
- انت زرت السينما؟
- كان عمري 16 سنه وكنت صغير وما كان معي مصاري أروح على السينما. بس كتير من أهل اللد كانوا يروحوا على السينما ومعظم الأفلام كانت مصرية.
- خلينا ننقل ونحكي عن الإنجليز. انت شو متذكر عنهم؟؟
- لما صارت الحرب العالمية الثانية، الانجليز بنوا معسكرات جنب اللد وجنب الرملة، مثل معسكر صرفند، وكانوا بحينها بحاجة لعمّال يشتغلوا هناك أو أصحاب مهن مثل ميكانيكي وغيرهم. وبهديك الفترة انفتح مجال عمل لكثير شباب من اللد والرملة ومن يافا اللي اشتغلوا بهاي المعسكرات، وهذا كان مصدر دخل منيح.
- كان الإنجليز يدخلوا على اللد؟
- لا، الإنجليز كان جيش بالمعسكرات وما كان يدخل اللد وما كنّا نشوفه. طبيعة الانجليز كمستعمرين كانوا يحافظوا على تباعد بينهم وبين السكان المحليين وما كان في اختلاط مع أهل اللد.
- وشو مع اليهود في المستوطنات المجاورة؟ مثل بن شيمن؟ كيف كانت العلاقات مع أهل اللد؟
- ما كان في علاقات بمعنى علاقات جوار قوية أو متينة أو مستمرّة. كان في باص اللي ينقل اليهود من بن شيمن لتل أبيب وكان يمرّ عن طريق اللد، بس ما كان فيه أي اختلاط وعلاقات جوار. أنا بتصوّر انه كانت سياسة مقصوده لعدم الاختلاط مع السكان المحليين، وحتى علاقات تجارة ما كانت فيه وخصوصاً انه بن شيمن كانت بلدة زراعية وكان المنتوج الزراعي منهم.
- وهل برأيك هذا بفسّر انه أهل اللد رفضوا انه يكون عندهم كهرباء بالبلد، لأنه الشركة يهودية؟
- ما بعرف بالضبط، بس بذكر انه خط الكهرباء كان يمرّ من فوق اللد لبن شيمن، ولكن أهل اللد ما كان عندهم كهرباء.
- وكيف كانت الإنارة بالبلد؟
- بالبيوت كان فيه القنديل على الكاز، والشوارع كانوا يضووها ب لوكس كبير وكان يشتغل على الغاز أو الكاز أحيانا. طبعا مش كل الشوارع كانت مضويّة وبس الرئيسية. البلدية كانت مسؤولة عن الإنارة.
- شو كمان كان فيه دور للبلدية؟
- البلديات تأسست بآخر العهد العثماني وكانوا يجمعوا ضرائب من الناس. وكانت الناس تسمّي البلدية "حراسة كناسة". يعني البلدية كانت تحرس البلد وتنظفها. لكن طبعا وظائف البلدية توسعت مع الزمن مثل إنهم يفتحوا شوارع ويشرفوا على الإنارة، بس الخدمات اللي كانت تعطيها البلدية ما كانت بحينها كبيرة مثل اليوم. اللي بدّي احكيه انه عمل البليدة توسّع بزمن الانتداب، من "حراسة وكناسة"، الى رصف شوارع وفتح شوارع، حراسه، تنظيف، إنارة، زراعة أشجار بالشوارع وغيرها من الوظائف.
- كانت بالبلديّة تزيين البلد بالعيد؟
- ما بذكر...
- إحكي لنا عن فترة الأعياد؟
- كانت الناس تشتري أواعي جديدة، ويعملوا أكل خاص، يروحوا يصلّوا ويزوروا بعض. ما كان فيه نشاطات خارج نطاق العائلة أو على مستوى البلد.
- ورحلات بالعيد؟
- ما كان في كتير رحلات عائلة، لأنه الرحلات كانت تكلّف والناس كانت فقيرة.
- إذا رجعنا كمان مره لفترة الانتداب والثورة، شو بتذكر من هاي الفترة؟ هل كان في مثلا ثوار من اللد؟
- بالنسبة لثورة البراق، فما بعرف إذا اللد شاركت، لأنه هاي الثورة صارت بالأساس بالقدس وصفد والخليل. بثورة ال 36 كان عمري 4 سنين وسمعت من الكبار عنها. اللي سمعته انه كان فيه بعض المشاركين من اللد، لكن النسبة قليلة، وطبعا الانجليز كانوا شديدين جدا واللي معه سلاح كان يتم اعتقاله ويُعدم. هذا اللي بعرفه عن الثورة.
بال 48، حاول أهل اللد يتنظموا، والبلدية حاولت تشتري سلاح وتوزعه على بعض الشباب المحليين من اللد حتى يحرسوا المدينة ويدافعوا عنها. لكن هؤلاء الشباب ما قاموا بأي هجوم أو اعتداء على المستوطنات وحتى بن شيمن اللي هي أقرب مستوطنه من اللد، ما كان في أي اعتداء عليها. بالإضافة لشباب اللد، أجت علينا قوّة بدو من الخارج لكن همّ ما كانوا منظمين ولا إشي، وهدول حاولوا الهجوم على المستوطنات اليهودية.
الجيش الأردني كان بالرملة ومش باللد وهذا الجيش ما قام بعملية دفاع عن المدنية بالرملة أو اللد مثل ما هو مطلوب. كان حوالي 100 او 150 جندي مش أكثر. يعني اللي بدّي أقول له انه ما كان في قوى محليّة مدرّبة ومسلحة، اللي تصدّ أي هجوم.
- شو صار بهاي الفترة؟ وينتا حسّيتوا بالخطر؟
- كنّا نسمع كل الوقت طخّ ورصاص، لكن ما كنا حاسّين انه هذا الرصاص راح يشكّل خطر على وجودنا باللد. يوم السبت ب 10 تموز 1948، قوات الهجناه إحتلّت مطار اللد. بمطار اللد كان في حوالي 50 محارب من أهل اللد اللي يدافعوا عن المطار. وبذات اليوم إحتلّوا قرى شرق اللد، مثل جمزو وغيرها من القرى. وهيك حوّطوا اللد والرملة. هاي كان اسمها خطة داني.
بذكر انه تاني يوم، الأحد 11 تموز، صار هجوم من الجهة الشرقية على اللد، وما كان في قيادة منظمه اللي تدافع عن المدينة وكل المسلحين راحوا يصدوا الهجوم من الجهه الشرقية. وبساعات بعد الظهر، دخلت مجنزرات من بن شيمن على اللد، حوالي 13 مجنزرة ودارت بشوارع البلد.
بالإضافة لسكان اللد اللي هم 22 الف، كان في حوالي 10 ألاف لأجيء من القرى اللي حوالي اللد، وهدول سكنوا في أراضي الزيتون والأراضي الزراعية. وبهديك الفترة أجت ثلاث طيارات وضربت قنابل على اللد وعلى المنطقة اللي كانوا فيها اللاجئين متخبين، في ناس تصاوبت وناس انقتلت. وآلاف الناس تركت اللد بعد القصف. لمّا دخلت المجنزرات من بن شيمن صارت تطخّ على الناس بالشوارع بهدف إرهاب الناس وترحيلها، وبساعات المساء انسحبت ورجعت على بن شيمن.
يوم الاثنين الصبح، بساعات الفجر، دخلت قوة مشاه على المدينة، وكان في منع تجوّل حينها.
يوم الثلاثاء 13 تموز، أنا وعائلتي كنا بالطرف الثاني من المدينة، وسمعنا انه في محاولات لإخراج السكان المتبقين في المدينة من بيوتهم، وسمعنا انه دخلت مصفحات أردنية من الجهة الشمالية، ولكن صدّهم الجيش الإسرائيلي، وبدأ يطرد الناس من بيوتها. يعني من ساعات الصباح ب 13 تموز، صارت الناس تطلع من بيوتها