- شو كان بالبصة قبل النكبة؟
- البلد كانت كبيرة. حسب ما كان يقول أبوي، وصل العدد عام 1948 حوالي 4200 شخص، بينما بالسجلات مكتوب إنه عدد السكان كان حوالي 3000. البصة كانت شبه مدينة، فيها تطور ثقافي، كان فيها ثلاث مدارس: مدرسة حكومية للصف السابع، مدرسة خاصة هي مدرسة المطران وكان اسمها المدرسة الأسقفية - البصة وكانت مدرسة شاملة ابتدائي وثانوي، فيها من البستان حتى ثالث ثانوي، والمدرسة الثالثة كانت مدرسة الستات الألمان وهن سيدات تبشيريات ألمانيات، كانوا بالبصة عدة سنين وبناية الألمان ما زالت موجودة لليوم، بداخل البناية كانت مدرسة وكنيسة وعيادة، تابعة للإرسالية الألمانية. المدرسة كانت مفتوحة لأولاد البصة وأولاد المنطقة، وكان فيها حتى صف رابع. أما الأسقفية فكانت من البستان حتى ثالث ثانوي، وكان فيها قسم داخلي، أولاد من خارج البلد يدرسوا ويناموا بالمدرسة، وكانت رسوم التعليم غالية جداً، بس الناس اللي عندها مقدرة مادية كانت تبعث أولادها للبصة، لأنه كان يدفع قسط تعليم ويدفع سكن. قسم من أهل البصة كانوا يبعثوا أولادهم لهذي المدرسة الخاصة وناس تبعث أولادها للمدرسة الحكومية اللي التعليم كان فيها مجاني. المدرسة الخاصة كانت مع قسط وكان مستواها أعلى، أنا تعلمت بالمدرسة الخاصة من البستان حتى صف رابع، الاحتلال كان خلال الفصل الدراسي الثاني، وأنا بالصف الرابع. معي شهادة الفصل الأول سنة 48 صف رابع، معي الشهادة الأصلية.
- وموقعها الجغرافي؟
- البصة موجودة على حدود لبنان وتمتد من سفح جبل المشقح اللي يقع شمالي البلد إلى الجنوب ومن شاطيء البحر غرباً الى الشرق. سمي الجبل بالمشقح لأنه فيه وديان تبدو مثل شقوق بالجبل. أقرب قرية كانت الزيب من جهة الجنوب الغربي، أرض البصة كانت تمتد للبحر غرباً، من الجنوب تصل أراضينا حتى الكابري، من الشرق تصل لموقع مستوطنة يعره اليوم، وعرب العرامشة كانوا موجودين بنفس الموقع الموجودين فيه اليوم. وكمان قرية من الشرق ولكن أبعد شويّ كانت إقرث المهجرة. كان قبل الـ 48 مستوطنات إسرائيلية هي متسوبه وحنيته.
- أي علاقة كانت تربط البصة بالقرى الفلسطينية بالمنطقة؟
- العلاقة مع القرى الفلسطينية كانت جيدة. أرض البصة كانت مشهورة بخصوبتها، كان فيها بساتين حمضيات وفاكهة كثيرة حواليها، وكان فيها 14 مقهى وأفران للخبز، يعني ثلاث أرباع أهل البصة كانوا يخبزوا بالفرن مش بالبيت. وكان في البصة أوتيل، بناية الأوتيل موجودة لليوم، هذا الأوتيل كان لخالي إبراهيم خياط. موقعه بأول البلد بالمدخل الرئيسي، والطابق الأول منه كان أكبر مقهى بالبصة. الساحة اللي جنب الأوتيل كانت محطة باصات وتكسيات، وكان في البصة منتزه قريب على البحر، وهو عبارة عن مقهى ومطعم، هذا المنتزه لعمي أيوب عاصي الملقب باسم رباح، كانوا يسموها قهوة رباح، كان على البحر، بمنطقة اسمها المشيرفة، منها بنشوف منطقة رأس الناقورة اللي على الحدود، بنشوف البحر على مد البصر، بنشوف شط عكا حيفا. كل الرحلات المدرسية بالمنطقة كانت تيجي للبصة. كان فيها كثير محلات تجارية ودكاكين، والبضائع كانت متوفرة. الموجود بالبصة ما كان موجود بالمنطقة أبداً. مركز القضاء كان عكا ولكن إذا ما كنت تلقى بعكا غرض كنت تلقاه بالبصة. كان بالبصة مساحات واسعة من الزيتون، الأيدي العاملة كانت من خارج البصة، سكان جنوب لبنان كانوا يقضوا شهرين ثلاثة بموسم الزيتون يشتغلوا بالبصة، ومن قرى فلسطين كمان، ولكن من جنوب لبنان أكثر. كانت الحدود قريبة للبصة، كانت الحدود معروفة ولكنها مفتوحة، كان الشخص من البصة إذا أراد يسهر في بيروت يطلع. كانت باصات توصل من البصة لعكا حيفا ويافا والقدس، وكان ممكن تاخذ تكسي لبيروت ولكن ما كان باص منتظم لبيروت. كان بالبصة أربع خمس معاصر زيتون، ومبيّنات على الخريطة. كان فيها مسجد وثلاث كنايس، واحدة للبروتستانت وهي البعثة التبشيرية الألمانية، وواحدة للكاثوليك، وواحدة للروم الأرثوذكس. كان أكثرية الناس كاثوليك والروم أقلية والبروتستانت عدد قليل جداً. أقدم كنيسة هي كنيسة الكاثوليك، ثم الروم ثم بناية الألمان وهي عبارة عن بناية عادية حديثة تشبه البيت. أهم مصادر الرزق كانت الزراعة والوظائف الحكومية. يعني أهل القرى المجاورة كانوا مربوطين بالبصة للعمل والتجارة والتعليم والسفر وغيرها.
- كيف كانت العلاقة مع المستوطنات اليهودية قبل الاحتلال؟
- العلاقة بين البصة وحنيته ومتسوبه كانت علاقة طيبة حسب ما كنت أسمع، أنا بذكرش العلاقة لأني ما كنت واعي، كانت زيارات بسيطة بينهم ومعرفة بسيطة من خلال شغل.
- شو بتتذكر من طفولتك في البصة؟
- أنا كنت أنزل ع القهوة عند خالي، كان عنده ماكنة مشروب مثل اللي بتشوفها اليوم بالمحلات. بيتنا كان قريب منه حوالي 100 متر، بعد المدرسة وبعد الغدا كنت أنزل عنده كثير وأشرب عصير بارد. وبالصيف بذكر كنا نقضي وقت طويل عند عمي بالمشيرفة، كان هناك منطقة خمس نجوم، ناكل ونشرب وننام عند عمي. الطفولة كانت سعيدة. بالبصة ما كان ناقص شيء. بالأعياد كانت تصير بالبلد أفراح، دبكة ومشروب وفرح.
- شو كانت علامات تطور أخرى بالبصة وحولها؟
- قرى الزيب والكابري والسميرية وعمقا وكويكات والنهر والغابسية كلها قرى تهجرت بالنكبة، قبل النكبة كانت شوارع تربط بين هذي القرى، الشارع الموجود اليوم وبيوصل لراس الناقورة كان موجود من قبل الـ 48، وشجر الكينا حول الشارع كان موجود من قبل، الشارع اللي بيوصل لإقرث (899) كان موجود كمان.
الميّ، قبل الـ 48 معظم القرى ما كان فيها ميّ، احنا سكنا بعد التهجير في كفر ياسيف وكنا نستعمل آبار نجمع فيها مياه الشتا ونستعملها كل السنة، بينما قبل الـ 48 كان عندنا شبكة مياه بالبصة، وتشوف الجناين والرشاشات فيها، والضيف كان يستغرب من الوضع المتطور، الميّ ما وصلت لكل بيت ولكن كانت عدة مراكز بالبلد مع حنفيات ميّ والناس تاخذ منها، واعتقد انه بعض البيوت دخلت لشبكة الميّ لأنه كان المفروض مشروع الميّ يكمل ويوصل لكل بيت لكن ما لحقوا يتمموه.
أي مستوطنات بنيت على أرض البصة بعد الاحتلال؟
- بعد التهجير، بالإضافة لحنيته ومتسوبه، أقيمت مستوطنات يهودية جديدة، موشاب بيتست أقيم 1949 على أرض البلد على بعد حوالي كيلو متر واحد غربي البلد، بلدة شلومي أقيمت على البصة نفسها، شلوميت حارة جديدة من شلومي، موشاب ليمان سنة 1949، والمنطقة السياحية روش هنكراه أي راس الناقورة.
- هل سكن اليهود ببيوتكم بعد تهجيركم؟
- ما بعرف. ما بعرف شو عملوا بالبلد بالبداية. أنا دعست بالبصة فقط سنة 1980. من يوم التهجير، أكثر من ثلاثين بعد التهجير ما دعست رجلي في البصة.
- وين كنت ساكن هذي الفترة؟
- في كفر ياسيف.
- كم تبعد كفر ياسيف عن البصة؟
- 15 كيلومتر.
- أكثر من ثلاثين سنة ما عرفت تقطع 15 كيلومتر؟
- هذا أنا. في ناس من البلد كانت تزورها. أما أنا ما حبيت أزورها.
- شو السبب؟
- بديش أشوفها خربانة (دامعاً). أبوي توفي سنة 1975، راح مرة واحدة بال 48 يلقط زيتون وطردوا الجيش الإسرائيلي، ومن هذاك اليوم، من الـ 48 حتى وفاته بالـ 75 ما دعست إجره في البلد. واحد من أصدقائنا اليهود طلب مرة من أبوي يروح معاه على البصة، قال له باخذك بسيارتي ولا حدا راح يتعرض لك أو يسألك. قال له أبوي: ع البصة ما بروح. سأله طيب إذا بتصير عودة للبصة بترجع؟ بعد ما عمرت هذي الدار الكبيرة اللي ساكن فيها؟ قال له: إذا بوصلني الخبر الساعة 12 بالليل، بنام بالبصة بنفس الليلة. (دامعاً).
- كيف انكسر الحاجز معك ورحت على البصة؟
- أول مشوار اضطريت أروح فيه على البصة كان سنة 1980 لما أجا خالي يزورنا من لبنان وطلب نروح على البصة. حصل على تصريح وزار البلاد. كذلك بنت خالتي وبنت عمي أجو من لبنان زيارة بهذيك الفترة. لما رحت ع البلد كانت البلد أغلبها خربانة والبيوت مهدومة ما عدا بعض البيوت. ما بعرف وينتا هدموا البلد.
- لو سألتك كما انسأل والدك عن العودة؟ لو تتاح العودة بترجع تسكن بالبصة؟
- شو السؤال هذا؟ طبعاً.
- كيف ممكن تتم العودة؟ اليوم هناك وضع جديد على أرضك، فكيف ممكن العودة تصير؟
- أنا ما فكرت بالموضوع. برأيي مستحيل إنه اليهود يوافقوا من خاطرهن للعودة. مش راح يسمحوا. ما عندي أمل يوافقوا. أنا بناضل من أجل العودة حتى الرسالة تظل موجودة ولو لبعد ألفين سنة.
واكيم: العودة راح تتم ضمن حل سياسي عامّ. ما في إشي اسمه عودة أهل البصة لوحدهم. صحيح الواقع صعب وتبدو العودة مستحيلة ولكن نضالنا هو من أجل تغيير هذا الواقع. بعد استرجاع الحقوق وتحقيق العودة سيكون طرح حل واقعي يشمل عودة اللاجئين ويشمل سكن اليهود من منطلق قناعة وجيرة حسنة. هذا الطرح يختلف عن الطرح الصهيوني إما أنا وإما أنت. أهل إقرث اقترحوا حل واقعي وقالوا للدولة أخذتو من أراضينا ما أخذتو، ولكن هناك 10 آلاف دونم فارغة، أعطونا نبني عليها قريتنا. هذا حل واقعي بدون التنازل عن حق العودة. الهدم والأراضي اللي سلبت يمكن الحديث عنها بعدة طرق، يمكن إنه اللاجيء يعوّض عنها ويمكن يؤجرها ويمكن حلول أخرى. احنا بنقول بالرغم مما فعلتم فلن نطالب بطرد شعب. أريد حقي ولكني سأكون إنسانياً.
خليل عاصي: بعد ال 48 انتقلنا للمزرعة وسكنا هناك مدة سنتين. أغلب الناس سكنت بدور ناس ثانية مهجرة. احنا سكنا ببيت من غير مقابل، والجيش الإسرائيلي كان يؤمن الخبز للناس بالمزرعة. كان يوزع الخبز علينا. انتقلنا لكفر ياسيف من أجل المدرسة، وأبوي رفض يعيش بعكا لأنه ما بيقدر يعيش بمدينة وبدّه يعيش بقرية. سكنا بكفر ياسيف بالإيجار حتى اشترينا أرض من شخص وعمّرنا عليها بيتنا الحالي سنة 57 – 58.
- كم بقي من أهل البصة داخل البلاد؟
- من البصة بقي فقط 7-8 عائلات بالبلاد. والباقي كلهم نزحوا شمالاً إلى لبنان. من الأربع آلاف نسمة بقي هون حوالي 40 شخص. لو البصة بقيت لليوم لكانت مدينة أكبر من الناصرة. ما في إنسان عاش بالبصة إلا وأحب البصة.
- كيف بتوصف يوم التهجير؟ شو متذكر؟
- متذكر شوي منظر ناس طالعة بسيارات وتاركة البلد بس ما كنت مستوعب شو بصير. الناس كانت كأنها طالعة ليتجنبوا مشاكل حرب وراح يرجعوا بعد أسبوعين. أنا ما بحب أحكي عن هذاك اليوم اللي طلعنا من البصة. ولكن أريد أن تكتب عنوان المقابلة معي: إن نسيتك يا بصة، فلتنسَ يميني.
--------------------
خليل فهد عاصي (75 عاماً)
تاريخ الولادة: 2.1.1937
مكان الولادة: البصة
تاريخ المقابلة: 4.7.2012
مكان المقابلة: نهريا، مكتب المحامي واكيم واكيم، من أبناء البصة.
أجرى المقابلة: عمر الغباري
الجمعية الخطابية الانجليزية / קבוצת רטוריקה באנגלית (1939-40)