" من البلدات التي تحد بلدنا المنشية – عكا، بلدة المكر، كفر ياسيف،جولس وغيرها، وكان هناك طريق رئيسية وحيدة تمر بجانب البلد وتبعد عنها حوالي كيلو متر واحد وكانت معروفة بطريق عكا – صفد. بجانب المنشية كان يوجد مطار عسكري للانجليز ومازال موجودا حتى الآن وأصبح مطارا عسكريا للاسرائيليين".
هذه الصورة عن منشية عكا نقلها لنا الحاج حسين عبد الله أبو طالب (مواليد المنشية عام 1938) بعد 63 عاماً من النكبة، عندما قمنا بزيارته في محله القائم في صيدا يوم السبت 23-7-2011، وقد لقينا بترحاب لافت عندما عرف الهدف من الزيارة، ألا وهو التوثيق لعائلة أبو طالب وقرية المنشية.
" من العائلات في المنشية: دار عويص، دار الزحمد وهم من أغنياء البلد، الحاج حسين الطيراوي، كريّم، دعبس وغيرهم. ولكن بالإجمال معظم هذه العائلات هي من بلدات مختلفة مثلا من المكر ، مجد الكروم، أم الفحم وغيرها فلم يكن هناك بلدة اسمها المنشية سابقاً ولكن لخصوبة أرضها جذبت إليها السكان وسميت المنشية من كلمة إنشاء.
وأذكر أنه كان هناك بستان اسمه البهجة لأنه كان فيه جميع أنواع الفواكه وكان يملكه نصوح الجمل وهو دكتور.
دار دعبس كان لديهم ديوان ولم أعد أذكر اسم صاحبه ولكنه كان من وجهاء البلد، وكذلك دار خريبي ودار مناع كان لديهم دواوين في المنشية يستقبلون في الضيوف والزوار.
مختار المنشية كان علي خريبي وحسب علمي أنه متعلم للصف التاسع.
أما المدرسة فهي مدرسة المنشية الابتدائية وهي تعلم حتى الصف الثاني الابتدائي وقد تعلمت فيها، ولا أزال أذكر الاستاذ الوحيد الذي علمنا فيها وهو الاستاذ ابراهيم السخنيني وقد جاءنا من قرية سخنين، ومن بعد الصف الثاني انتقلت إلى عكا لأكمل دراستي".
المعلومات السابقة كانت إجابات الحاج حسين على سيل من الأسئلة التفصيلية التي طرحناها عليه، ولم يتململ الحاج من كثرة الأسئلة فتابعنا معه وقدم لنا مزيداً من التفاصيل:
" كان في المنشية مقام اسمه مقام أبو عتبة وأذكر أن أي عريس قبل زفافه كان يجب عليه أن يمتطي حصانا أبيضا ويتجه إلى المقام ليزوره.
أما بالنسبة للمياه فكان هناك "مواتير" لجر أو لسحب المياه. خالي كايد عويص كان يملك إحدى تلك المواتير في بستانه. وأذكر جيداً أن الكهرباء قد وصلت إلى البلد قبل خروجنا من ديارنا بستة أشهر.
كان للبلد قهوة (مقهى) وحيدة يملكها فهد حامد، وكان يبيع ما يسمى بالهريسة وهي نوع من أنواع الحلوى وهذا الأخير كان يملك راديو وكذلك الحاج حسين أبو عدنان كان يملك واحدا أيضا.
لم يكن هناك دكاكين في بلدتنا، إلا في رمضان فكان بعض الأشخاص يقومون ببيع الحلويات.
وجاهة البلد كانوا دار دعبس ،الزحمد، ومناع وهؤلاء كان يلجأ لهم الناس لحل الإشكالات أو قضاء بعض الحاجات.
أما الأعراس فكانت تقام في ساحة في البلد، وأذكر عرسا قد حضرته في البلد هو فرح ابن خالتي محمد الطيراوي وقد تزوج من ابنة خالي، ويومها عزموا الناس من القرى المجاورة وهؤلاء جلبوا معهم شوالات الأرز والسكر والذبائح وباتوا في منازل الناس في البلدة، وأقيمت الولائم والحفلات على مدى ثلاثة أيام، وفي هذه الأعراس كانت تقام حلقات الدبكة والسحجة وتعلو الزغاليط وكان هناك حدّا اسمه رشيد الحدّا كان يقيم الأفراح وهو أصله من مجد الكروم ويعيش في المنشية.
لأهالي البلدة مقبرة واحدة كانت بجانب المقام ولكن أذكر أنه قبل خروجنا بفترة تم انشاء مقبرة للبهائيين الآتين من إيران وقد بنوا قصرا اسمه قصر العجام متاخم للبلدة يسكن فيه رئيسهم".
بعد كل هذه الذكريات انتقلنا مع الحاج حسين أبو طالب إلى نكبة عام 1948 وما رافقها من أحداث وتهجير، وعن ذلك يقول الحاج حسين:
" كان هناك تلة أنشأها نابليون بونابارت عندما أراد أن يحتل عكا ولكنه لم يستطع أن يفعل ذلك وبقيت التلة باسم تلة بونابارت وقد استغلها اليهود سنة 1948 ووضعوا مدافعهم عليها وبدأ القصف على بلدتنا فهرب الناس على إثر هذا القصف.
وهكذا خرجنا من المنشية إلى يركا مرورا بالمكر، وبقينا في يركا حوالي ثلاثة أشهر وبعدها خرجنا من يركا إلى الرميش جنوب لبنان ومكثنا فيها ليلة واحدة ثم توجهنا إلى جويا التي بقينا فيها شهرا ومنها إلى عدلون ولكن والدي قال أنه من الأفضل أن نذهب لنسكن بجانب أهالي بلدنا فذهبنا إلى مخيم عين الحلوة وبقينا فيها إلى يومنا هذا".
شجرة العائلة:
أما عن عائلة أبو طالب في منشية عكا فقد بدأنا مع الحاج حسين بجمع شجرة العائلة بدءاً من الجد الذي يعرفه وهو أحمد وولده علي، أما علي فله عبد الله، وعبد الله عنده :إبراهيم، حسين، محمد، علي، خديجة، فاطمة، زينب، ومريم.
يذكر الحاج حسين مما روي له عن الجد الأكبر أحمد أنه كان له ستة أخوة. أحمد كان مختار طيبة بني علوان في الأردن وكان يدعى بالأشرم حيث كان لديه خاتم مكسور يستعمله كختم، وعلى زمن الأتراك توفي إثنان من أخوة أحمد في تركيا بعد أن تم تجنيدهم مع الجيش التركي وواحد آخر ذهب إلى اليمن وأحمد أتى إلى فلسطين وأسس العائلة فيها وتوفي ودفن فيها.
علي وهو جد الحاج حسين ولد في فلسطين وعاش فيها وتزوج من زينب نزال اللبنانية الجنسية وأنجب منها عبد الله فقط، ثم توفي في المنشية ودفن فيها، وبعد وفاته أطلق على ابنه عبد الله لقب اليتيم.
عبد الله بدأ العمل وهو صغير السن بعد وفاة والده فعمل كمزارع وميكانيكي وفي البوليس الانجليزي. ويذكر الحاج حسين أن والده كان ممن حملوا السلاح للدفاع عن المنشية وحراستها عام 1948 .. وكان لديه بارودة من نوع "stengan".
تزوج عبد الله من نايفة عويص وأنجب منها : إبراهيم، حسين، محمد، علي، خديجة، فاطمة، زينب، ومريم. وقد أجرج عبد الله إلى لبنان حيث توفي ودفن فيه.
كانت زيارة الحاج حسين كغيرها من الزيارات التي قمنا بها لكبار السن، غتية بالذكريات الجميلة - بحلوها ومرها- عن فلسطين، وعكست شوق وحنين هذا الجيل لبيوتهم وقراهم التي أخرجوا منها منذ 63 عاماً، وكان سهلاً علينا أن نرى في عيونهم الأمل والعزم المعقود على العودة إلى الديار في وقت يأملون أن يكون قريباً.