قابلت محمد المصري لآول مرة في الطيبه, رجل خفيف الظل وهادئ, رجل متفهم ومتواضع وهو الذي حدثني عن قريته, قرية الحرم (حرم سيدنا علي), مكان الذي كان جزءً من طفولتي أيضًا , أنا ربيت ونشأت في هرتسليا، وكنت أزور منطقة الشاطئ والمسجد مع أصدقائي في السرية الكشفية، ولكن لم اعلم أبدًا أن هذه المنطقة كانت قرية عربية الى قيام الدولة , لم يخبرني عن هذا اي احد . موقع المسجد كان على مرتفع منحدر عموديًا عن سطح البحر في مركز هرتسليا معزولاً وليس تابعًا . وهو يبدو أثر تاريخي قديم , وها انا الان اقابل محمد الذي ولد في قرية الحرم (حرم سيدنا علي) وكبر وترعرع فيها حتى عمر 12 سنة وهو اخبرني عن الاماكن التي كان يزورها في منتزه الطفولة , من المسجد , والبيوت ومقر الشرطه الانجليزيه المجاور. كنت جالسة بجواره واشعر بالمه الكبير قال انه لا يفهم مما نبعت كل هذه الكراهية فقد كانت القرية بعلاقات جيدة مع جيراننا اليهود . جلست بجانبه واصغيت له وببساطة، لم اصدق انني لم أعلم شيئا حتى هذه اللحظة عن الناس والتربه الموجوده على بعد 15 دقيقه من بيت والدي.
تجولنا في القرية التي يسكنوها اليوم يهود. وفجأة لحاظت ان معالم المكان هي فعلاً معالم قريه عربية، البيوت المنتشرة، ليست بعيدة عن بعضها وبنفس الوقت ليست ملتصقة ببعض... كل بيت محاط بقطعة ارض صغيرة , عندها اصبح واضحًا لي ماذا كان هنا قبل 55 عامًا. وبينما كنا نتجول كان حدثني محمد المصري ماذا كان هنا ومن عاش هنا . وقد خرج بعض الجيران الفضولين من بيوتهم للأستفسار, ورد احدٌ منهم، اسمه حاييم، بنوع من الخوف والشكوك "ما ذلك؟ هل تعتقد اني سأتي الى الطيبة واخرجك من بيتك ؟ لماذا هربتم ؟ نحن لسنا مثل العرب، لم نريد قتلكم، حاربنا فقط...نحن نعرف ماذا من هم العرب!" بينما شخصًا اخر، اكثر مؤدبًا قال انه يفهم وجع الجانب الاخر.
محمد يصغي ويحرك رأسه، حتى عندما يقول له حاييم بوضوح ان "العربي بضل عربي"، ويشرح انه هنا للزيارة فقط، ولا نيوي طرد احدًا من بيته...
وقفت هناك، منذهلة من طول باله ومن قدرته على تقبل الاشياء، وعندما سألته، بعدها، كيف يشعر، بدى واضحًا لي انه ليس للمرة الاولى التي يعامل بها بهذا الشكل وانا كنت فعلاً مذهولة... المكان ساحر. مجموعة من البيوت القديمه واقعه على كتل صخريه والمسجد في الافق كبير ومذهل.
وانا أصغي لقصة محمد، الذي يأسف على هروبه ولعله لم يكن ليحدث شيئ, ولكنهم كانو خائفين يبقوا نظرًا للقصص الكثيرة عن القتل والمجازر في القرى المجاورة كنت... استمع، وعقائدي تتحطم أسطورة بعد أسطورة. ومكان صورة عصابة عربية تهب القتال، نمت في داخلي صورة فلاحين بسطاء يزرعوا أراضي قريتهم, وهربوا من بيوتهم حوفًا... ليس "خطر أمني" ولكن مجموعة من الناس، ارادوا ان يعيشوا بسلام مع جيرانهم اليهود..
بالنسبة لفتاة مثلي، والتي كبرت في بيت صهيوني وتربت على خطاب يرتكز بالقصة اليهودية , عن الخوف من اللاسامية، في ظل ذكرى الكارثه وأهمية وجود دولة يهودية,كان مهم جدًا الاستماع الى الجانب الاخر والاصغاء الحقيقي له، لان هذا اوضح لي كم هي القصية معقدة من جانب الطرفين المتناقضين .انا الان اسأل نفسي كيف يمكن الاجابة على حاجات الجانبين لكني لا اجد الجواب.. ولكنني، وكخطوة اولى، فهمت بان ما نسميه "حرب الاستقلال"او "حرب التحرير" كان بنفس الوقت نكبة مأساوية وأليمة. هذا الفهم بحد ذاته شيء مؤلم ولكنه ضروري لهدف الايصال الى المصالحة والسلام، كما وضرورية معرفة الطرف الخر معرفه حقيقية. سياسة الفصل التي اتخذت على مدى السنين في دوله اسرائيل فصلت بين الشعبين وخلقت في المجتمع الاسرائيلي أراء مغلوطة ومخاوف من الفلسطينين في الضفه المحتله وقطاع ومواطني إسرائيل. لقائي مع محمد وعمر والذان هم يريدا السلام مع اليهود واستعدادهم للمصالحة رغم تجربتهم المؤلمة كانت أثرت عليّ كثيرًا، وبعدها شعرت بان يوجد امل بأنه بواسطة الاصغاء واللقاءات الحقيقيه نستطيع أن ان نداوي جروحنا وربما بأن نبدأ السير بطريق جديد.
Sidna Ali AlHaram Tour 2005 (12)
Sidna Ali AlHaram Tour 2005 (1)
Sidna Ali AlHaram Tour 2005 (24)
Sidna Ali AlHaram Tour 2005 (14)
Sidna Ali AlHaram Tour 2005 (22)