هذا النص هو فصل من وظيفة مدرسية كتبها يوتام كورمس، طالب إسرائيلي في مدرسة ثانوية من كيبوتس تسورعه، يتطرّق فيه إلى احتلال صرعة وإلى سياسة التهجير ومنع عودة السكان الفلسطينيين إلى بيوتهم. مع التنويه أن النصّ مترجم عن العبرية.
كتب دافيد بن جوريون في يومياته في 10.6.2014:" فحصنا إمكانية بديلة، توسيع الطريق من بيت جيز إلى بيت سوسين، من أجل هذا الهدف علينا احتلال صرعة وعسلين". في صباح ذلك اليوم أعطى أوامره باحتلال القريتين المشرفتين على السهل، لكن الأمر وصل متأخرًا، حيث أن وقف إطلاق النار سيسري مفعوله في نفس الليلة، ولم يكن لدى يتسحاق رابين ويجئال يدين وقت كافٍ لجمع القوات.
ومع هذا، وكعمل انتقامي على هجوم نفذته قوة فلسطينية في اليوم السابق على جنود "البلماح" في منطقة بيت سوسين، حيث قتل ثمانية وجرح عشرون، انطلقت طائرات "الهجناه" إلى السماء فوق السهل. عن ذلك كتب بن جوريون: "قواتنا الجويّة قصفت صرعة وأطلقت طائراتنا النار باتجاه إشوع، عرتوف وعسلين".
عندما سقطت المتفجرات من السماء، حاولت صبيحة أبو لطيفة أن تستمر في الأعمال المنزلية الطبيعية، رغم إلحاح زوجها عليها بالهرب. "قلت لا. يجب أن أخبز العجين وأسلق حبات البطاطا". بينما كان زوجها يتراكض عاجزًا عن عمل شيء، جمعت صبيحة الطعام والبطانيات، وبعد ذلك نزلت العائلة من صرعة مع طفلها ابن السنة والنصف إلى محطة القطار في عرتوف التي ما زالت تحت سيطرة عربية. وجدوا مكانًا قرب المحطة لفترة عدة أيام، وكانوا كل صباح يعودون إلى القرية لفلاحة الأرض وللعناية بالحيوانات وللطبخ. لم يتكرر القصف من الجو. في يوم 11 حزيران 1948 بدأ وقف إطلاق النار الذي أعلن من قبل الأمم المتحدة. بالنسبة للعرب في سهل الصرار ، كان وقف إطلاق النار وهمًا من الهدوء. فبعد الصدمة التي سببتها الضربة الجوية، خاصة لأهالي صرعة، حاول سكان السهل مزاولة أشغالهم اليومية، فموسم الحصاد على الأبواب. الجنود الأردنيون منحوا السكان شعورًا بالأمان، كما روى عواد إبراهيم من إشوع:" جاء الأردنيون وقالوا لنا أن نبقى في القرية، وأنهم سوف يحموننا. وأن الجيش الأردني سيحضر ويطرد الإسرائيليين". لكن هذه الوعود كانت فارغة. كانت الجيوش العربية في معضلة، فالنقص بالذخيرة والجنود المدرّبين لم يتحسّن بشكل ملحوظ منذ وقف إطلاق النار. فالدول التي كانت تزودهم بالسلاح انصاعت لقرار الأمم المتحدة القاضي بعدم تسليح الجيوش، ولم يكن لدى العرب علاقات مع الدول الشرقية أو شبكات لتهريب السلاح كما كان للإسرائيليين.
مع بدء وقف إطلاق النار في حزيران، كان حوالي 400 ألف فلسطيني من أكثر من 250 مدينة وقرية في أنحاء البلاد قد أصبحوا لاجئين. زعماء الدول العربية ناشدوا الفلسطينيين بالبقاء، بل وأحيانًا طلبوا ذلك مهدّدين. لقد أصبح اللاجئون عبئًا على الدول العربية التي تحارب من أجلهم. هرب الآلاف إلى الدول العربية المجاورة، وعشرات الآلاف حُشروا في المناطق الشرقية التي لم تكن تحت سيطرة إسرائيل. الجامعة العربية كانت تخشى أن تفسَّر محاولاتها لاحتواء مشكلة اللاجئين كاعتراف بالتقسيم.
الفلسطينيون الذين بقوا في قراهم خلال وقف إطلاق النار، بمن فيهم الفلاحون من سهل الصرار، فعلوا ذلك رغم تخوفهم من تجدد المعارك. في صرعة، على سبيل المثال، أخذ ذياب أبو لطيفة والديه العجزة ليختبئوا في مغارة بعيدة عن الخطوط الإسرائيلية حتى يتمكّن من إخراجهم إذا اقتضت الحاجة. لكن عدد الناس الذين تركوا قراهم كان قليلًا.
بدأت الإمكانيات الاقتصادية لسكان القرى بالتناقص بسبب الحرب. من الطرف الآخر، اتخذ الإسرائيليون، في فترة الهدنة، قرارات حدّدت مصير السكان العرب. فالكثير من القرى التي أفرغت من سكانها قد تمّ هدمها، وبعضها أُعطي لعائلات يهودية مهاجرة للسكن فيها، وصارت الحقول تُحصد. في 16 حزيران وفي جلسة الحكومة قال بن جوريون:" بالنسبة لعودة العرب، ليس أني لا أتقبل هذه الفكرة فحسب، بل أرى أنه ينبغي أن نمنع عودتهم". العرب هم الذين أعلنوا الحرب، قال بن جوريون، وعليهم تحمّل نتائجها.
تحليلات أجرتها المخابرات العسكرية في نفس الشهر أعطت تفسيرًا حول هرب الـ 400 ألف لاجئ فلسطيني. 55% بسبب عمليّات قام بها الجيش أو سابقته "الهجناه"، و 15% بسبب عمليات المجموعات السرّية اليمينية الفاعلة خارج إطار الجيش. حسب التقرير، فإن عامل المفاجأة، أصوات التفجير الناجمة عن القصف، واستعمال مكبرات الصوت لبثّ دعاية بالعربية أثبتت نجاعتها.
حاول بعض العرب خلال الهدنة التسلل عائدين حتى يحصدوا زرعهم، لكن يجئال يدين، قائد الأركان في تلك الفترة، أصدر أمرًا بمنع العرب بشكل قاطع من الحصاد في المناطق التي تحت سيطرة يهودية. وهكذا قال في 19 حزيران:" كل حقل تحت سيطرتنا يجب أن نحصده، وكل حقل لا نتمكّن من حصاده علينا تدميره". وحصلت حالات إطلاق نار على لاجئين بسبب محاولاتهم الرجوع إلى أراضيهم وحصاد زرعهم. في أماكن أخرى، كان اللاجئون عرضة لحقول ألغام زرعت في حقولهم من قبل المستوطنين اليهود الذين شركاء مع الجيش في إصرارهم على منع عودة العرب.
مع انتهاء الهدنة في تموز، ازداد مخزون الدولة من الحبوب بسبعة آلاف طنّ، من الحقول التي أُخذت من العرب.
السكان العرب الذين ما زالوا متمسكين ببيوتهم بدأوا يدركون مجرى الأمور. فعندما وصل إلى سهل الصرار بعض اللاجئين من الرملة وحكوا عن الهجوم والتهجير، غادرت بعض العائلات المحلية قراها، ولكن الأكثرية بقيت. وسرعان ما تأكد الناس من ضعف الجنود العرب الذين كانوا من المفروض أن يدافعوا عنهم، لأن الجنود الأردنيين الخمسين غادروا محطة الشرطة بعد الهدنة بعدة أيام. الآن تبقّى 50 جنديًّا مصريًّا فقط. ولم يثقوا بهم كثيرًا. ما زال الموسم موسم حصاد، وكان صعبًا على الفلاح أن يترك ثمرة جهده. ازداد عدد العائلات التي خرجت من صرعة وإشوع وعسلين وأتت حاملة فراشها وأغراضها إلى محطة الشرطة في السهل، حيث أيضًا كان لاجئون من الرملة، تحت حماية الجنود المصريين. كانوا ينامون في الليل هناك وفي النهار يعودون إلى قراهم.
بعد فشلهم في احتلال اللطرون، ومع علمهم بازدياد الضغوط لفرض هدنة جديدة، أدرك الإسرائيليون بضرورة القيام بعملية سريعة لتوسيع الممرّ إلى القدس فقرروا التركيز على الحلقة الأضعف وهي القرى العربية الواقعة تحت شارع القدس. وهكذا أصبحت القرى المنتشرة في سهل الصرار جزءًا من عملية "داني". أول قرية كانت صرعة.
حسب وصف صبيحة أبو لطيفة، بدأ تسلسل الأحداث مع فجر اليوم الخامس من رمضان. أغلب العائلات التي كانت تنام في المخيم المؤقت عند المحطة بدأت تستيقظ للاستعداد للسحور. وفجأة سُمعت أصوات تفجير وومضات نار فوق بيوتهم في صرعة. في ذلك الوقت كان في القرية حرّاس مصريون ومعهم 12 مسلّحًا من القرية.
أدرك الناس ما يمكن أن يحصل لهم. فقد تمّ تفجير قرية بيت محسير قبل شهرين، وقبل ثلاثة أيام سمعوا عن طرد أهل الرملة واللد، وقصة المجزرة في دير ياسين زادت من رعبهم. قررت عائلة أبو لطيفة مغادرة المنطقة بسرعة. دبّ الخوف في الناس، حسب وصف صبيحة، وهربوا مذعورين.