التقرير الختاميّ: لجنة الحقيقة عن النكبة في النقب 1948-1960
ستجدون في هذا الإصدار فصول مختارة من التقرير بالعبرية والإنجليزية.
اعضاء لجنة الحقيقة:
- هدى أبو عبيد، مديرة عامة للجمعية الفلسطينية سدرة-اللقية في النقب، مسؤولة عن جمع شهادات النساء.
- المحامي شحدة ابن بري، ناشط في النقب، متخصص في حالات إقصاء وترحيل البدو
- وسيم بيرومي، أخصائي نفسي سريري
- بروفسور أفنير بن عامي، كلية التربية، جامعة تل أبيب، عضو في الأمانة العامة لمنتدى التعايش السلمي في النقب من أجل المساواة المدنية، مسؤول عن الاستعراض التاريخي.
- د. منير نسيبة من جامعة القدس، خبير في العدالة الانتقالية والقانون الدولي الإنساني.
- د. نورا رش من قسم التربية في الجامعة العبرية، خبيرة في موضوع انعدام المساواة والعدالة في مجال التربية والتعليم، مسؤولة عن مساءلة الشهود في النشاط العلني
- د. أريئيلا شدمي، رئيسة برنامج الدراسات النسائية سابقًا، ومحاضرة في مواضيع الشرطة وحفظ الأمن والنظام العام في قسم علم الإجرام وإنفاذ القانون في الكلية الأكاديمية بيت بيرل، ناشطة نسوية من أجل النساء، السلام، الشرقيين والتغيير المجتمعي.
الفهرست
مقدّمة: لجنة الحقيقة الأولى في إسرائيل-العدالة الانتقالية والممر المسدود. 5
الفصل الأول: لجنة الحقيقة: المنطلقات وتطوير النموذج. 8
الفصل الثاني: شهادات -جزئي. 12
الفصل الثالث: توصيات. 16
التقرير الكامل متوفّر باللغة العبرية ובעברית - בלינק ב-PDF
مقدّمة: لجنة الحقيقة الأولى في إسرائيل-العدالة الانتقالية والممر المسدود
كان للمجتمع اليهودي-الصهيوني الذي نشأ في البلاد في نهاية القرن التاسع عشر وخلال القرن العشرين وجهين: قومي واستعماري. الصهيونية، التي نشأت في أوروبا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، تأثرت لدرجة كبيرة بالنماذج القومية الأوروبية وسعت إلى تطبيقها على الشعب اليهودي. كما وتأثّرت أيضًا بالمشروع الاستعماري الأوروبي، الذي اكتسب زخمًا في نهاية القرن التاسع عشر، بينما كانت أوروبا تستعبد أجزاء كبيرة من آسيا وأفريقيا. الحل الذي اقترحه القادة الصهاينة لإنهاء ضائقة الشعب اليهودي كان قوميًا، ولكن تنفيذه في البلاد منحه بعدًا استعماريًا. هجرة واستيطان عشرات ومئات آلاف اليهود، وتهجير السكان المحليين، أديا في نهاية المطاف إلى تغيير المبنى الديمغرافي للمنطقة التي كانت واقعة تحت الانتداب البريطاني. الحجج التي استخدمت لتبرير الاستيطان اليهودي كانت عديدة: محنة اليهود في أوروبا، الجذور التوراتية للهوية الوطنية اليهودية، والتحديث، والتي ساهمت جميعها في جلب اليهود إلى الشرق الأوسط. إلا أنّ النتيجة كانت مشابهة للنمط الاستعماري: الاستيلاء العدواني أحادي الجانب على غالبية الأراضي الواقعة تحت حكم الانتداب.
إحدى المناطق التي بدأ يطرأ عليها تغيير ديمغرافي كانت النقب، حيث أقيمت في جزئها الشمالي 14 بلدة يهودية في أربعينيات القرن العشرين. تعنى لجنة الحقيقة الحالية بالتغيير الديمغرافي الحاد الذي طرأ على المنطقة في حرب 1948 وبعدها، عقب تهجير غالبية السكان البدو في فلسطين.
عقب الاستعمار البريطاني، ومع مرور ثلاثين عاماً على الانتداب الذي مُنح للبريطانيين بهدف دعم إقامة وطن لليهود على أراضٍ مأهولة، على حساب السكان الأصلانيين الفلسطينيين، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني عام 1947 على قرار تقسيم الأرض بين الفلسطينيين واليهود. هذا القرار، وإقامة دولة إسرائيل في 14 أيار عام 1948، بشّرا بالنكبة. قامت مؤسّسات الدولة بتهجير 700,000 لاجئ، مستولية على أراضيهم وممتلكاتهم، ومُنعوا لاحقًا من العودة وإعادة تأهيل حياتهم في بلادهم.
في السابق، أجرى مؤرّخون وأدباء إسرائيليون بعض المحاولات للكشف عن مسؤولية المقاتلين اليهود حيال أحداث النكبة المستمرة وانتهاكات حقوق الإنسان المنطوية عليها . بالرغم من أنّ كتاباتهم أثرّت بشكل كبير جدًا على الأوساط الأكاديمية ومختلف المجموعات، إلا أنّها لم تؤدِ بالمجتمع اليهودي في إسرائيل إلى الاعتراف بالأعمال التعسفية التي ارتكبها وتحمّل مسؤوليتها. مسار الاعتراف وتحمل المسؤولية والخطوات الفعلية المنبثقة عنه يُعرف في الدول التي تحرّرت من الأنظمة الاستبدادية وفي مجتمعات ما بعد الاستعمار باسم العدالة الانتقالية.
تُطوّر جمعية ذاكرات آليات العدالة الانتقالية الملاءَمة للسياق الإسرائيلي، بما في ذلك الكشف عن المعلومات حول النكبة-والتي لا تزال أحداثها مُخرسة ومُنكرة إلى حد كبير في المجتمع اليهودي، وعن النكبة المستمرة حتى اليوم. وفي هذا الإطار، تتحدى جمعية ذاكرات المجتمع اليهودي في إسرائيل لتحمّل المسؤولية على الدور الذي لعبه في النكبة الفلسطينية. الجهود الحالية تشكل استمرارية بديهية لهذه الخطوات: مبادرة المجتمع المدني لإقامة لجنة لتقصي الحقائق حول مسؤولية المجتمع الإسرائيلي إزاء أحداث 1948-1960 في النقب.
طوّرت في العقود الأخيرة بعض الآليات لمواجهة الماضي والتعامل معه تحت تسميات مختلفة: لجنة حقيقة، لجنة التحقيق التاريخي، لجان الحقيقة والمصالحة-الرسمية وغير الرسمية على حد سواء-في عدد من البلدان والمناطق التي كانت خاضعة لحكم استبدادي أو استعماري. تهدف هذه الآليات إلى الكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم واسعة النطاق، السعي للاعتراف بها، والمساهمة في المصالحة ودمقرطة المجتمعات المحتاجة للمعالجة-واقتراح حلول إصلاحية استنادًا إلى احتياجات المجموعات المتضرّرة ووفق نماذج العدالة الترميمية (restorative justice).
سعت جمعية ذاكرات للمبادرة الحالية عقب الدروس المستفادة من مناطق نزاع أخرى بادرت إلى تطوير آليات العدالة الانتقالية لتعويض الضحايا عن محنتهم ومعاناتهم. السياقات الأكثر شيوعًا لتطبيق نموذج العدالة الانتقالية هي الفترات الانتقالية من الدكتاتورية والحرب إلى اتفاقيات السلام. العدالة الانتقالية معرّفة كمجموعة كاملة من المسارات والآليات المتعلّقة بمحاولة المجتمع لإجراء محاسبة ذاتية وإعادة النظر في موروث انتهاكات حقوق الإنسان واسعة النطاق، بهدف تحمّل المسؤولية، خدمة العدالة وتحقيق المصالحة .
مبدئيًا، يشتمل إطار العدالة الانتقالية على أربع آليات للعدالة: (1) دعاوى جنائية ضد المتورّطين في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، (2) مبادرات تقصي الحقائق-مثل لجان الحقيقة الرسمية وغير الرسمية-التي تتمحور حول انتهاكات حقوق الإنسان التي تم التستّر عليها في السابق أو لم تكن معروفة، بما في ذلك كشف الحقائق علنًا واعتراف مرتكبي الأعمال التعسفيّة بأعمالهم، (3) تعويض الضحايا، (4) إصلاحات قانونية ومؤسّساتية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان المنهجية مستقبلا.
وبينما استُهلت آليات العدالة الانتقالية بشكل عام كمبادرات رسمية متعلّقة بالانتقال واضح المعالم من نظام حكم لآخر، انطلقت اللجنة الحالية إيمانًا منها بعدم وجوب انتظار الاعتراف الرسمي والعمل فورًا على تقصي الحقائق. وبهذا، تستقي اللجنة المعلومات والإلهام من مبادرات مدنية أخرى حققت نجاحات سابقة في مختلف أنحاء العالم قبل تسوية الخلافات-مثل غواتيمالا، البرازيل ومؤخرًا، كولومبيا.
حالة الصراع المتعاظم هذه أدت إلى مصاعب جمة في جمع شهادات وإيجاد معلومات أرشيفية وتعميم المعلومات في مجتمع ذي هوية وطنية قوية، داعم للمشروع الاستعماري ومستفيد فعليًا ورمزيًا من استمرار المواجهة. مع ذلك، نحن نؤمن أنّ هذه المبادرة ضرورية لتحدّي "نظام الإنكار" ، تعزيز قول الحقيقة وكسر دوائر الكذب التي لا تزال منتشرة لدى شرائح واسعة من المجتمع الإسرائيلي. كشف الحقيقة لن يساهم فقط في تعزيز الاعتراف، تحمّل المسؤولية والجاهزية للإصلاح، بل سيشكّل أيضًا، بحسب أقوال خوسيه زالاكت في مقدّمة التقرير النهائي للجنة الحقيقة والمصالحة في تشيلي، "طريقة لمداواة الجراح، واحد تلو الآخر، والمساهمة بهذا في ترسيخ السلام المستدام".
تهدف اللجنة على وجه التحديد إلى الكشف عن الحقيقة التي أخفاها النظام الإسرائيلي على مدار أكثر من 67 عام بخصوص الدور الذي لعبه كلّ من المجتمع الإسرائيلي ودولة إسرائيل في اقتلاع أكثر من 90,000 فلسطيني بدوي من بيوتهم وتهجيرهم خارج حدود الدولة. كما ولا يمكننا تجاهل التهجير الداخلي الذي تعرّض له البدو في النقب وتركيزهم في المنطقة الحدودية في الخمسينات، واتباع سياسة هدم منازلهم وعدم الاعتراف بحقوقهم حتى أيامنا هذه-النكبة المستمرة. بالإضافة إلى هدفها التربوي، تهدف اللجنة إلى اقتراح حلول محتملة لإصلاح هذه الأخطاء التعسفية على يد المجتمع الإسرائيلي، حتى في ظل المعيقات التي يفرضها نظام الحكم القائم.
عقب الفترة التحضيرية التي امتدت لعامين (انظر الفصل 1)، عُيّن أعضاء اللجنة في تشرين الأول 2014. كلّفت اللجنة (انظر الملحق 1) بالكشف عن الإجراءات التعسفية التي اتخذتها إسرائيل ضد السكان الفلسطينيين في النقب، خاصة في الفترة ما بين 1948-1960، ونشر تقرير موجز يعزز حوار جماهيري عام حول المسؤولية الأخلاقية، السياسية والقانونية للمجتمع الإسرائيلي ويشمل توصيات بالإصلاح.
لتحقيق ذلك، تدارست اللجنة شهادات لمهجّرين داخليين ولاجئين فلسطينيين، وشهادات لمقاتلين يهود شاركوا في عمليات التهجير والاستيلاء على المنطقة. كما واستمع أعضاء اللجنة إلى شهادات أربعة خبراء واطلّعوا على مواد أرشيفية ذات صلة. في اليوم العالمي لحقوق الإنسان، الموافق 10 كانون الأول 2014، أقامت اللجنة جلسة استماع علنية في بئر السبع، حيث استمعت إلى سبع شهادات لـ: فلسطينيين بدو هجّروا عام 1948، مقاتلين يهود، وخبراء. انتهى عمل اللجنة في شهر كانون الأول لعام 2015.
في البنود التالية-المدوّنة بقلم أعضاء اللجنة، الشهود الخبراء، أعضاء جمعية ذاكرات وآخرين-سنستعرض مسار بلورة اللجنة، الخلفية التاريخية الجغرافية للنقب، وشهادات المقاتلين اليهود واللاجئين/اللاجئات الفلسطينيين البدو حول النكبة أمام اللجنة وتحليلها، إضافةً إلى شهادات من مصادر أخرى. في نهاية الوثيقة، سنستعرض توصياتنا على ضوء هذه الشهادات.
الملاحق تشمل وثيقة إقامة اللجنة، ونص الشهادات التي جمّعت ونوقشت في اللجنة.
لقد اتخذنا هذه المهمة النبيلة على عاتقنا علمَا بأنها خطوة أولية وجزئية نحو تجذير توجّه وخطاب العدالة الانتقالية في إسرائيل: تحمّل المسؤولية، المساءلة، الاعتذار، الإصلاح، الشهادات الشفوية والعدالة الترميمية لمطالبة المجتمع الإسرائيلي بتحمّل المسؤولية حيال تهجير السكان الفلسطينيين في حرب 1948 وفي الفترة التي تلتها.
سنختتم بتقديم جزيل الشكر لجمعية ذاكرات التي دعتنا للمشاركة في هذا المشروع، للشهود/الشاهدات الفلسطينيين الذين وثقوا بنا وشاركونا قصصهم حول النكبة، للمقاتلين اليهود الذين كسروا صمتهم وتمردّوا ضد إخراس الشعب الإسرائيلي، مساهمين بذلك في فتح الباب لمداواة جراح المجتمع وتعزيز السلام المستدام.
بهذا نكون قد حاسبنا أنفسنا أمام المجتمع الإسرائيلي.
الفصل الثالث: توصيات
توصيات اللجنة تبلورت بعد رحلة طويلة ومتعددة المراحل باتجاه الماضي الفلسطيني/اليهودي في النقب: النقاشات التمهيدية للنشاط العلني في كانون الأول 2015، شهادات المقاتلين اليهود والضحايا البدو في النقب، شهادات الخبراء الأكاديميين حول المنطقة وسكانها، وتتبع واقع التشريد، التمييز وانتهاك حقوق البدو في النقب. جميع هذه الأمور أدت بنا-نحن أعضاء لجنة الحقيقة- إلى بلورة نوعين رئيسيين من التوصيات: توصيات تعنى بالعلاقات بين دولة إسرائيل والمجتمع الإسرائيلي من ناحية، وضحايا النكبة في النقب من الناحية الأخرى، وأخرى تعنى بتعزيز الوعي حول النكبة ومتابعة عمل لجان الحقيقة الإسرائيلية. تجدر الإشارة إلى أنّ التوصيات تبلورت على أساس مفاهيم العدالة الانتقالية والعدالة الترميمية التي ترتكز أساسًا على مسارات الإصلاح التي ستؤدي إلى التعايش المشترك والمصالحة بين طرفي النزاع.
أ. تعامل دولة إسرائيل والمجتمع الإسرائيلي مع اللاجئين الفلسطينيين
ينبغي على دولة إسرائيل والمجتمع الإسرائيلي الاعتراف بمسؤوليتهما حيال الجرائم والأعمال التعسفية التي ارتكبت خلال حرب 1948 وما بعدها تجاه المدنيين البدو وحيال المعاناة الشديدة التي ألمت بالسكان الذين تحوّلوا منذ ذلك الحين إلى لاجئين أو إلى مهجّرين داخليين مهدوري الحقوق. الاعتراف بالمعاناة وتحمل المسؤولية عن مشاركة الدولة والمجتمع بإلحاق الظلم يجب أن ينعكس علنًا، ويستحسن بأنّ يصحبه اعتذارًا وإنصافًا للضحايا.
غالبية سكان النقب الفلسطينيين طُردوا أو اضطروا للهروب نتيجة الترهيب الموجّه، كما رأينا في الشهادات الواردة في هذا التقرير، في حرب 1948 وخلال العقد الذي تلاها، وقد تشرذموا هم وذريتهم في مختلف أنحاء العالم. يقبع البعض منهم تحت الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة، بينما يقطن البعض الآخر في شبه جزيرة سيناء، وفي الأردن ولبنان، في مخيمات اللاجئين أيضًا، هذه الفئة تدرج أيضًا ضمن لاجئي النكبة، وفي إطار حل النزاع المتفق عليه، يجب منحهم تعويضًا ملائمًا، على المستويين المادي والرمزي، عن معاناتهم وعن ممتلكاتهم التي نهبت.
التغاضي عن التعسف والظلم وأنكارهما يخدم سياسة الإقصاء، التمييز وانتهاك حقوق المواطن الأساسية للسكان البدو في النقب، التي لا تزال تمارس حتى اليوم. "الحلول" التي طبّقت حتى الآن أو تلك المقترحة لـ “مشكلة البدو" ترتكز على توجهات أساسية تمييزية والتي تمثل سياسات إقصائية وغير ديمقراطية تجاه هؤلاء المواطنين. كخطوة أولى، نوصي بإجراء تغيير واضح ومعلّن على هذه السياسات، الاعتراف بحقوق الملكية للبدو، إعادة أراضيهم غير المأهولة وتعويضهم عن الممتلكات التي لا يمكن استرجاعها، أو كتعويض جزئي، يجب قبول الخطة الرئيسية للاعتراف بالقرى البدوية غير المعترف بها في النقب، كما بلورها المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها.
ب. رفع الوعي حول النكبة واستمرار عمل لجان الحقيقة الإسرائيلية
نوصي بإجراء أنشطة متواصلة ومتتالية لرفع الوعي حول أحداث النكبة في النقب. هذا النشاط يجب أن يشمل:
جمع مستمر لشهادات ومعلومات حول أحداث عام 1948 والعِقد الذي تلاه.
تعميم المعلومات في البلاد والعالم بمختلف الطرق.
بناء مواقع للذاكرة، افتراضية وفعلية.
توسيع نشاط لجان الحقيقة ليصل إلى مناطق أخرى في إسرائيل وقعت فيها النكبة. استنادًا إلى التجربة المكتسبة في لجنة الحقيقة الأولى، نوصي بأن يمر أعضاء لجان الحقيقة المستقبلية بمسار تدريبي نظري، يشدّد على أهمية التعمّق في فهم دورها وأهدافها (خلافًا للمحاكم القانونية)، ومسار تدريبي عملي يعنى بآليات وأخلاقيات المقابلات وجمع الشهادات.
في نفس الوقت، ونظرًا للاحتياجات الخاصة بالشهود الفلسطينيين واليهود، ستتوفّر منظومة دعم للشهود. منظومة الدعم هذه ستشمل أخصائيين في الصحة النفسية المتداخلين في الصراع (متطوعين من سايكو أكتيف مثلا) لتعليم وتعميم التجربة المكتسبة عالميًا مع شهود آخرين في إطار آليات "العدالة الانتقالية"، وسيقيمون منظومة دعم ملائمة للواقع الذي يميز نشاط لجنة الحقيقة في إسرائيل.
الاهتمام بشكل خاص بتجميع واسع النطاق لشهادات حول أحداث حرب 1948 وسياسات منع العودة التي تلتها. في حالة عدم وجود شهود مباشرين وصعوبة الحصول على شهادات من مقاتلين يهود، يجب الاستناد إلى أرشيفات، مقالات صحفية وشهود غير مباشرين من أبناء الجيل الثاني. كما ويجب تعزيز كتابة، نشر وتعميم الشهادات والذكريات المتعلقة في النكبة.
كما ويوصي أغلب أعضاء لجنة الحقيقة (أرئيلا شدمي، منير نسيبة، شحدة ابن بري وهدى أبو عبيد) بأن تتم توعية الجمهور الإسرائيلي حول أهمية وإمكانية تطبيق حق العودة لجميع اللاجئين والنازحين الفلسطينيين الذين طردوا إبان النكبة الفلسطينية. لا بد أن مطلب اللاجئين والنازحين بجبر الضرر بما فيه حق العودة هو مطلب عادل ويجب على الحكومة الإسرائيلية الالتزام بما يلي: 1- التوقف عن جميع أعمال التهجير القسري بشكل فوري؛ 2- الاعتذار عما بدر من الدولة الإسرائيلية من تهجير قسري إبان النكبة؛ 3- الالتزام بما ينصه القانون الدولي حول عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجروا منها.
بروفسور أورن يفتاحئيل، شاهد خبير من المشاركين في النشاط العلني، تحدّى اللجنة والجمعية من خلال الشهادة التي أدلى بها حيث اقترح التخطيط لإقامة ثلاث بلدات للاجئين الداخليين، وذلك على أراضيهم الأصلية، وتود اللجنة إضافة هذه التوصية إلى قائمة توصياتها. تشكّل هذه الخطوة احتجاجًا مبتكرًا على الجهود التي تبذلها الدولة لبناء مستوطنات يهودية فقط على أراضي البدو، خاصة خطة بناء 18 مستوطنة في النقب. العراقيب يجب أن تكون أولى هذه البلدات البدوية الثلاث. من الواضح أنّ هذه الخطة لن تتحقق في المستقبل المنظور، ولكن التخطيط لذلك قد يشكل فاتحة لنقاش جماهيري هام حول الموضوع.
ج. تجربة النكبة لدى النساء
تجربة الحرب، التهجير واللجوء بالنسبة للنساء تختلف عن تلك التي مر بها الرجال، والأمر ينطبق أيضًا على سياق النكبة، بما في ذلك نكبة النقب. نظرًا لعلاقات القوى الجندرية القائمة في المجتمع البدوي، إضافة إلى إخماد وإسكات النكبة في المجتمع الإسرائيلي، توجد حتى الآن شهادات قليلة جدًا لنساء بدويات حول أحداث الحرب والتهجير وحول سير حياتهن بعد ذلك.
توصي اللجنة بإيلاء اهتمام خاص وبذل الجهود اللازمة لملء هذه الثغرة، نعني بذلك جمع شهادات حول أحداث النكبة في النقب من نساء بدويات من الجيل الأول أو من بناتهن من الجيل الثاني. هذه التوصية تعنى أيضًا بجمع شهادات من نساء عاصرن النكبة في مناطق أخرى.
تتمة لذلك، يوصى بإيلاء اهتمام خاص وجهود بحثية للكشف عن تجارب الأطفال في فترة التهجير والذين فصلوا سوية مع النساء عن الرجال خلال الحرب والتهجير القسري. تشير الشهادات القليلة التي عرضت أمام أعضاء اللجنة إلى تهديدات وجرائم ارتكبت تجاه هذه الفئة (النساء والأطفال).
أخيرًا، جمعت بعض الشهادات من مصادر بدوية وأخرى يهودية حول واقعات تحرّش جنسي واعتداءات عنيفة، وصلت في بعض الحالات إلى اغتصاب نساء وفتيات بدويات. هذه الشهادات المثبتة، والقليلة جدًا لأسباب واضحة، تجعلنا نوصي بإقامة طاقم خاص في جمعة ذكرات، بالتعاون مع مؤسسات حقوق النساء إن أمكن ذلك، لجمع معلومات وشهادات حول هذا الموضوع.
موجز التوصيات
لجنة الحقيقة كانت المحاولة التجريبية الأولى لإدارة مسار تخيليّ لإمكانية "العدالة الانتقالية" في واقع نزاعي عقيم ومتواصل، لا يوحي حتى الآن بأي "انتقالية".
التوصيات أعلاه التي تبلورت في مسار لم يتسم دومًا بتجانس في المواقف والآراء، تشكل فاتحة لمتابعة النشاط وتوسيعه في الاتجاهات المشار إليها أعلاه. يبدو لنا أنّ التجربة المكتسبة من خلال عمل اللجنة والتوصيات الختامية قد تساهم في تعزيز النشاط المستمر لرفع الوعي العام، تحمّل المسؤولية وإبداء الجاهزية لإيجاد حل.
لتحميل الملف لتحميل الملف لتحميل الملف