طيرة الكرمل التي تعرف أيضاً باسم طيرة اللوز هي قرية من قرى قضاء حيفا الانتدابي، وتبعد عنها مسافة 10 كيلومترات باتجاه الجنوب. تمتد أراضيها من منطقة جامعة حيفا في أعلى الجبل وحتى شاطئ البحر في الغرب، ومن حي "دانيا" في الشمال وحتى أراضي عين حوض في الجنوب. كما وتحيط بالقرية بعض الخرب مثل خربة الدامون والشلالة وعين الحايك وخربة لوبية.
بلغ عدد سكان الطيرة،عشية النكبة، 5800 نسمة في حين بلغت مساحة أراضيها قرابة 45000 دونم. ومن العائلات التي سكنت الطيرة يمكن أن نذكر: أبو راشد، السلمان، القوصيني، درباس، بستوني، زيدان، البطل، غنّام، حجير، أبو عيسى، الباش، الهندي، العسل، شبلاق، الناجي، باكير، بهلول، الحامولي، الشايب، الرباني، عمورة، السعدي، شلّح، الأبطح، أبو جاموس، دلول، أبو طايع، عسقول، الحسن، عويس، التيّم، بدران، قزلي والحميدي وعائلات أخرى.
كان في القرية مدرستان (الحديثة منهما أنجز بناؤها عام 1947 وتعلم فيها أبناء الطيرة فصلا دراسيا واحدا قبل التهجير واللجوء وهي مكونة من ثلاثة طوابق تستعمل حتى اليوم مدرسة يهودية ثانوية) ومسجد جامع (حوله المستوطنون الجدد إلى كنيس ) ومقامان (مقام الشيخ خليل ومقام الشيخ عبد الله).
شاركت الطيرة في النضال الوطني الفلسطيني منذ بدايته، حيث شارك العديد من أبنائها في هبة البراق نذكر منهم نمر قبيعة ومحمد عبد السلام وإبراهيم الصرفندي ومحمود التيّم وأسعد الدعاس وخالد محمد السمير. في حين انضم العديد من أبنائها المقيمين أو العاملين في حيفا إلى الخلايا المسلحة التي أقامها الشيخ عز الدين القسام في مطلع الثلاثينيات، ومنهم حسن الزواوي وعيسى البطل والشيخ حسن شبلاق وصالح أبو ليل ومحمد أبو طايع وأحمد غنّام وآخرون. وقد كان لهؤلاء الفضل الكبير في إقامة لجنة قومية في الطيرة وتأجيج نار إضراب وثورة 1936 -1939 عند انطلاقها في نيسان 1936.
وفي أثناء الثورة تأسس في الطيرة فصيل كبير بقيادة الشيخ رشيد عبد الشيخ الذي كان يعمل تحت قيادة الشيخ عطية عوض من بلد الشيخ. وقد اشترك هذا الفصيل في عدة معارك منها معركة أم الدرج ومعركة أم الفحم ومعركة لد العوادين ومعركة أم الزينات. كما وشارك في اقتحام سجن عتليت.
استشهد من أبناء الطيرة في ثورة 1936 – 1939 كل من : الشيخ رشيد عبد الشيخ، الشيخ ديب المحمد، حسن موسى السعدي، محمود أبو حسان، عيسى مفلح أبو راشد، محمود نمر درباس، محمد قاسم الشواهين، أحمد موسى الباش، أسعد سيّد أبو راشد، عبد الله يوسف أبو راشد، محمد أحمد السلمان ومحمود أبو حسان.
مع اندلاع المواجهات بين العرب واليهود على أثر صدور قرار التقسيم بدأت معركة صمود الطيرة التي استهدفتها الهجمات العسكرية اليهودية منذ بداية كانون الأول 1947. ففي بداية هذا الشهر استشهد المواطن الطيراوي عبد الرازق عبد النور في سوق الحسبة في حيفا في حادث تفجير قنابل وضعتها وحدة تابعة لمنظمة "الإيتسيل" المتشددة. ولم تستفق الطيرة من جرحها هذا إلا على حادث أشد هولاً عندما قامت خلية أخرى تابعة لنفس المنظمة بمهاجمة بعض بيوت الحارة الشمالية في الطيرة مستخدمة الرشاشات والقنابل اليدوية. وقد استشهد في هذا الهجوم 12 شخصاً وجرح ستة كانت غالبيتهم من عائلة حجير.
على أثر ذلك تأسست في الطيرة لجنة قومية للدفاع تكونت من: المختار عبد الله السلمان، سلمان عبد الله حجير، أحمد سليمان الصادق نايف العبد المحمود، حافظ النجم، راجح الفهد، عبد الرحمن البطل، موسى نمر أبو راشد، محمود حسن عمورة وأحمد محمود أبو غيدا. ثم استمر التراشق بالنيران بين مدافعي الطيرة ومسلحين يهود كانوا يأتون عادة من حي "أحوزا" طيلة كانون الثاني وشباط وآذار 1948. وفي السابع والعشرين من آذار 1948 جرت معركة بين مدافعي الطيرة ومجموعة تابعة لقوات "الهاجاناه" في منطقة وادي العين الواقعة شرقي الطيرة. وقد استشهد في هذه المعركة كل من مصلح خليل غنام ونمر منصور باكير وفيصل خضر القزلي.
في منتصف نيسان وصل إلى الطيرة بعض الضباط العراقيين والسوريين، ومعهم عشرات المتطوعين الذين عملوا على تدريب المدافعين وإقامة خطوط دفاع مضادة للدروع خاصة من الجهتين الشرقية والشمالية.
وفي الليلة الواقعة بين الخامس والعشرين والسادس من عشرين من نيسان 1948 قامت قوات يهودية راجلة معززة ببعض المركبات المسلحة بالرشاشات ومدفعين من طراز "براوننغ" وقاذفتي هاون، بمهاجمة الطيرة وذلك بقصد فحص قدرات الطيرة الدفاعية بعد سقوط مدينة حيفا قبل ذلك بثلاثة أيام. أطلق على هذه العملية اسم "حوف 1" أي "الشاطئ 1". بدأت في تمام الساعة الثالثة والربع فجراً، واستمرت حتى السابعة صباحاً بعدما نجح المدافعون بصد الهجوم ومنع المركبات اليهودية من التقدم. واستشهد جراء عملية القصف أربعة مواطنين وأحد المدافعين، في حين قتل أحد المهاجمين وجرح خمسة آخرون. وفي رسالة بعثها قائد العملية للقيادة المنطقية لـ"الهاجاناه" في حيفا قال: "وجدنا أن القرية محصنة كاللازم، وأن المدافعين يسيطرون على نقاط استراتيجية في مساحة قطرها كيلومتر واحد في أطراف القرية. كما ووجدنا المدافعين يتمتعون بمعنويات عالية وقدرات قتالية فعّالة".
بعد فشل هذه العملية كانت هناك صورة ضبابية عما يجري داخل الطيرة سيما وأن المدافعين قاموا بزرع الألغام على الطرق والمسالك الترابية المؤدية إليها. وقد تضاربت التقارير التي وردت لقيادة القوات اليهودية في المنطقة، ففي أحد التقارير التي كتبها أحد المخبرين العرب الذي نجح بالخروج من الطيرة قبل عملية زرع الألغام بأن عدد المقاتلين هناك يربو على الثمانمائة مقاتل، من أبناء الطيرة وقرى أخرى لجأوا إليها بعد تهجيرهم من قراهم الأصلية.
أما تقرير آخر فيتحدث عن ثمانين من العراقيين والسوريين والباقي من الفلسطينيين يقدرون بالعشرات. وعلى الأغلب فإن القول الثاني هو الأقرب إلى الدقة لأن مجموع ما خرج من الطيرة من المقاتلين بعد سقوطها في السابع عشر من تموز 1948 كان أقل بكثير من رقم الثمانمائة. أما بالنسبة للعتاد فقد كان مقاتلو الطيرة قد استولوا على بعض العتاد الثقيل والمدافع والرشاشات الحديثة من المعسكر البريطاني الذي كان غربي القرية، بل إن بعض التقارير التي وصلت القيادة اليهودية تتحدث عن وجود دبابتين وأكثر من عشرة مدافع من طرازات مختلفة وعشرات الرشاشات من طراز برن وهوتشكيز والكثير من صناديق الذخيرة. وتحدث أيضا أحد هذه التقارير عن وجود ثمانية من الضباط والجنود البريطانيين الذين تركوا المعسكر البريطاني بعد خروج الإنجليز من فلسطين وانضموا للمدافعين عن الطيرة.
لا شك أن هناك بعض المغالاة في هذه التقارير خاصة فيما يتعلق بجنود انجليز انضموا للمدافعين عن الطيرة إذ لم نجد في الروايات الشفوية ذكراً لذلك.
منذ نهاية نيسان بدأ الضغط العسكري اليهودي على الطيرة يزداد يوماً بعد يوم، وتحول في أيار إلى قصف من الجو والبحر والبر بشكل شبه يومي، الأمر الذي جعل قادة الحامية يعمدون لإخلاء النساء والأطفال والشيوخ إلى قرى جبع وإجزم وعين غزال، وعائلات أخرى إلى منطقة وادي عارة.
في الأسبوع الثاني من تموز تحدث التقارير الاستخباراتية اليهودية عن مغادرة جماعية للسكان خلا المقاتلين، وبناء على هذه المعلومات تعرضت القرية لقصف جوي رهيب طيلة الأسبوع الواقع بين العاشر والسابع عشر من الشهر ذاته أسفرت عن استشهاد أكثر من عشرين شخصاً من المدافعين والأهلين. وبسبب تناقص الذخيرة والمؤن بشكل كبير تشكلت لجنة من السكان الباقين لمفاوضة اليهود على تسليم القرية وإبقائها قرية مفتوحة وآمنة، ولكن المفاوضين اليهود وضعوا شروطاً تعجيزية وطلبوا استسلام القرية بلا قيد أو شرط، الشيء الذي لم يدع لوفد الطيرة أي بديل عن الاستمرار بالقتال حتى الطلقة الأخيرة وهذا ما حصل بالفعل وقد لخص قائد العملية من لواء "الكسندروني" عملية احتلال الطيرة في السابع عشر من تموز 1948 كالتالي: "قرية الطيرة الواقعة بجانب حيفا احتلت هذا الصباح من قبلنا بعد مقاومة عنيدة، عمليات تطهير القرية ما زالت مستمرة، بعض السكان نجحوا بالفرار نحو جبع وإجزم".
أثناء احتلال القرية تم اعتقال عشرات الشبان وبعثهم إلى معسكر الاعتقال في عتليت، أما من بقي من السكان فقد حملوا في شاحنات أنزلتهم في مفرق اللجون ليتوجهوا إلى المناطق التي تسيطر عليها القوات الأردنية.
وتفيد الروايات الشفوية أنه أثناء عملية الطرد لم يتمكن بعض العجزة وكبار السن من اللحاق بركب التهجير السائر تحت حث الجنود وعصيهم الغليظة، فتم تجميعهم في أحد حقول القمح المجاورة لمفرق اللجون وحرقوا أحياء. ويتراوح عدد هؤلاء حسب الروايات المختلفة بين 14 -21 شهيداً وشهيدة.
بقيت بعض العائلات شرقي الطيرة فترة تقارب الخمسين عاماً، وكان عددهم في الستينيات والسبعينيات قرابة 300 نسمة. أقيمت لهم مدرسة أغلقت أبوابها عام 1979 وبعدها بدأ عقدهم بالانفراط والمغادرة إلى عسفيا وحيفا وأماكن أخرى وذلك في ظل عدم الاعتراف بهم وتزويدهم بالخدمات الأساسية، علماً بأنه لم يبق منهم اليوم سوى عائلتبن اثنتين تذكران ما كان مرة قرية زاخرة بالحياة تسير بخطى حثيثة نحو التحديث والتطور.
انضموا لجهودنا في التصدي للنكبة المستمرة
انضموا لنانتصدى للنكبة المستمرة
نتصور العودة
ساعدونا في التصدي للنكبة المستمرة
ادعموا ذاكراتانضموا لجهودنا في التصدي للنكبة المستمرة ومساءلة الجمهور اليهودي في إسرائيل عن النكبة الفلسطينية لكي نتمكن من العمل معًا من أجل مستقبل عادل، ولكي نواصل قول الحقيقة بصوت صافٍ، ولكي نكون شريكات في مجتمع يعمل على تحمل المسؤولية من أجل التصحيح وعودة اللاجئين الفلسطينيين