المادة الخام التي تشترك في كل الأعمال المقدَّمة للمشاهِد في المعرض هي الزّفت. هذه المادة تمثّل الوسَخَ والطرقَ وشوارعَ الأسفلت والبقايا التي تلطّخ البحر. المادة المضادة الفظّة والعنيفة تنتشر وتتّخذ شكلا، تُحرَق على سطح الورق في هيئة أشكال مجرّدة، رقيقة وعاتية في آنٍ معًا. لون الزفت الأسود وقدرته على التلطيخ يصادران التشخيص الفوريّ للمادة، التي تُمتصّ في الورقة وتتشرّب فيها كنصّ مخفيّ يلتمس اعتبارَه "طبيعيًّا". الزّفت منضوحٌ كذلك في قالبَي كأسَين من الپورسلان، فيبدو كبقايا رقيقة لقهوة سوداء غُطّيَت بأوراق من الذهب. وُضعت الكأسان في ڤيترينا، وكأنهما شاهدان أبكمان على التفريغ السريع للبيوت بعدما اضطُرّ قاطنوها إلى مغادرتها بين ليلة وضحاها، وعلى نسيج حياتهم الذي خلّفوه فيها من ورائهم. نصْب المعرض داخل فضاء منزل فلسطيني في حيّ العجمي بيافا، يتّصل على هذا النحو بأحداث 1948 وبالتطهير العرقي الذي شهدته مدينة يافا والقرى المحيطة بها.
المعرض هو استمرارٌ طبيعي لسلسلة أعمال أبدعتها الفنانة على امتداد الأعوام التي تناولت فيها يافو- يافا وغيرَها من المدن الفلسطينية، عبر رحلات أدائيّة لتأشير مواقع. بخلاف السواد الأعظم من الفلسطينيين الذين عاشوا على هذه الأرض واقتُلِعوا منها عام 1948، لم تُرحَّل عائلة الفنانة من حيّ "بربور" في عكّو -عكّا. من هنا، ينجح فعل التأشير في التحرّر من وزر الألم الحِسّي ومن مباشَرة الاقتلاع واللجوء، ما يمكّننا من التفكير بالحالة الميتافيزيّة للوجود الإنساني عمومًا، والفلسطينيّ خصوصًا.
الاسم الذي اختير للمعرض – "إدين بتغزل نار" يقوم على التسمية التي أُطلقَت على السلسلة التي أبدعتها الفنانة تكريمًا لوالدها محمود، الذي كان يعمل في ساعات اليوم مديرًا لمصنع فولاذ صغيرٍ وصيّادًا وفي الليل كان يحيك شبكات الصيد. استعمال الأيدي كمجازٍ مرسَلٍ (synecdoche) عن شخص الأب، يعزّز فعل التأشير في الفضاء الحقيقيّ للبيت من خلال الإعادة الرمزية للأب إلى داخل الفضاء الذي احتُلّ في 1948. بما أنّ الاسم "محمود" هو أحد الأسماء الشائعة في المجتمع العربي المسلم، فسيتبادر إلى أذهاننا استحضار الغياب والفقدان الوطنيَين بشكلٍ أوسع بكثير. بذلك، يقترح المعرض على زائريه مشاهدةً تساعدهم على الاعتراف بالتاريخ، وبضياع البيت الذي كان، وبحاضر الأيام.
المعرض هو جزء من مشروع "بيوتٌ بعدَ الواصلة" المقام في يافو/يافا في الفترة بين 14 و-16 أيار.
أمينة المعرض: دِبِي فاربِر