كانت لنا قبل أيام تجربة فريدة حين قمنا مع رلى عواد، وهي فلسطينية تعيش في الولايات المتحدة، بزيارة قرية والدتها، قولة، وعثرنا على أنقاض البيت الذي ولدت أمّها فيه. وقد جرى عن طريق الصدفة بعد أن التقيت مجموعة محاضرين من الولايات المتحدة وحكيت لهم عن ذاكرات. سألوا العديد من الأسئلة عن الصراع وعن عملنا. إحداهنّ قدّمت نفسها على أنها فلسطينية تعيش في الولايات المتحدة وهذه أوّل زيارة لها إلى البلاد. بعد اللقاء أخبرتني أنّ أمّها ولدت في قرية قولة. سألتها عمّا إذا كانت ترغب في الذهاب لرؤية بقايا القرية فتفاجأت بذلك. قلت لها إنه لربما يمكنني مساعدتها في العثور على القرية فتحمّست جدًا. في اليوم التالي سافرنا إلى الموقع، بعد أن أرشدتنا نوغا كدمان كيف نصل إلى هناك بالضبط. في الطريق أخبرتنا رلى أنها هاتفت والدتها ووالدها اللذين حدّثاها عن مواقع شتّى في القرية وعن مكانها في البلاد. ما تبقى من القرية مغطّى بـ "حرش كولا" الذي غرسه الصندوق القومي الإسرائيلي ويحتوي على لافتات كثيرة تخلّد ذكرى المتبرّعين. توجد في داخل الحرش أنقاض بيوت كثيرة، وقام عمال "الصندوق" باستخدام جزء من حجارتها لبناء مبانٍ تخلّد أسماء المتبرّعين. وفيه أيضًا بقايا لافتة من العهدين الصليبي والعثماني.
إلى جانب أنقاض أحد البيوت وجدنا بئرًا تملؤها الماء. عندما سقط حجر فيها، تطاير الماء وبلّل رلى، ما أثار انفعالها بشدّة. خلال الزيارة اتصلت بوالديها كي تحدّثهما عمّا تراه حولها وحكيا لها أشياء عن القرية، ومنها ما كانت تسمعه للمرّة الأولى. يتضح أن والدها خصوصًا، الذي ولد أصلا في طولكرم (وهي كذلك)، يعرف ويتذكّر الكثير من التفاصيل عن القرية. فقد زارها مرارًا قبل النكبة. أمّها غادرتها حين كانت طفلة صغيرة جدًا. قالت لها أمّها أنها سعيدة بأنها (رلى) أوّل أفراد العائلة التي تزور القرية وهو ما أثار بكاءها. حدّثها والدها عبر الهاتف عن حدث صعب جدًا وقع في النكبة: يبدو أنه بعد مغادرة سكان القرية ظل فيها عدد من المسنّين غير القادرين على المشي. بعد عدّة أيام، حين عادوا للبحث عنهم وجدوا جثثهم محروقة.
اتصلت مرة تلو الأخرى بوالديها، وقام أبوها بتوجيهها كيف تمشي من المسجد، الذي وجدنا أنقاضه، باتجاه البيت الذي ولدت أمّها فيه. وصلنا إلى منطقة اعتقدنا أن بيتها يقع فيها ووجدنا إلى جانبه أيضًا حفرة كبيرة محفورة في الصخر، من فترة ما قبل العهد العربي. كانوا يخزنون فيها القمح وما شابه. اتصلت لتحدّثهم. والدها تذكّر هذه الحفرة وقال لها إنّ بيت والديها يقع على بعد أمتار من تلك الحفرة التي استخدموها فعلاً لتخزين موادّ عديدة، واختبأوا فيها أيضًا خلال الحرب. لقد تذكّر الاتجاهات ما بين الحفرة والبيت والمسجد بدقّة. رلى أخبرته أنّها تقف بين أنقاض بيت والدتها.
جلسنا هناك دقائق طويلة ومؤثّرة. رلى بكت. أنا حاولت إخفاء ذلك. عانقتني وقالت أنها مدينة لي. قلت لها إنّه يبدو لي أنني مدين لها أكثر بقليل.
على أحد الحجارة كتبت اسم أمّها وبقيّة أفراد عائلتها.
تقرير في موقع الجزيرة
لقراءة النص الذي كتبته رلى عواد على أثر زيارة القرية اضفط/ي هنا
Qula Rula Awwad 2009 (1)
Qula Rula Awwad 2009 (3)
Qula_2008 (15)
Qula_2008 (6)
Qula Rula Awwad 2009 (2)